ـ وحكي ـ عن بعض الصالحين أنه رأى في المنام وعروفاً فالكرخي شاخصاً نحو العرش قد اشتغل عن حور الجنة وقصورها فسألت رضوان : من هذا قال معروف الكرخي مات مشتاقاً إلى الله فأباح له أن ينظر إليه وهذا النظر هناك من نتائج النظر بالقلب في الدنيا لقوله تعالى : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأما النظر بالبصر في الدنيا فلما لم يحصل لموسى عليه السلام لم يحصل لغيره إذ ليس غيره أمل قابلية منه إلا ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد كان في خارج حد الدنيا إذ كان فوق العرش والعرش من العالم الطبيعي وملاق لعالم الأرواح.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
واعلم أن رؤية العوام في مرتبة العلم ورؤية الخواص في مرتبة العين ولهم مراتب في التوحيد كالأفعال والصفات والذات فليجتهد العاقل في الترقي من مرتبة العلم إلى مرتبة العين ومن الاستدلال إلى الشهود والحضور ﴿وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ﴾ أي أسباب رزقكم على حذف المضاف يعني به الشمس والقمر وسائر الكواكب واختلاف المطالع والمغارب التي يترتب عليه اختلاف الفصول التي هي مبادي حصول الأرزاق.
كما قال الشيخ سعدي :
ابر وباد ومه وخورشيد وفلك دركارند
تاتوناني بكف آرى وبغفلت نخوري
همه از بهر توسر كشته وفرمان برادر
شرط انصاف نباشدكه توفر مان نبرى
أو في السماء تقدير رزقكم وقال ابن كيسان يعني على رب السماء رزقكم كقوله تعالى ولأصلبنكم وفي جذوع النخل ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ من الثواب لأن الجنة على ظهر السماء السابعة تحت العرش قرب سدرة المنتهى أو أراد أن كل ما توعدون من الخير والشر والثواب والعقاب والشدة والرخاء وغيرها مكتوب مقتدر في السماء.
ودرتبيان كفته مكتوبست درلوحى كه در آسمان هارم است.
يقول الفقير : أمر العقاب ينزل من السماء ونفسه أيضاً كالصيحة والقذف والنار والطوفان على ما وقع في الأمم السالفة ﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ اقسم الله بنفسه وذكر الرب لأنه في بيان التربية بالرزق ﴿إِنَّهُ﴾ أي ما توعدون أو ما ذكر من أمر الآيات والرزق على أنه مستعار لاسم الإشارة ﴿لَحَقٌّ﴾ هر آينه راستست.
وفي الحديث أبى ابن آدم أن يصدق ربه حتى أقسم له فقال : فورب الخ وقال الحسن في هذه الآية بلغني أن رسول الله عليه السلام قال : قاتل الله أقواماً أقسم الله لهم بنفسه فلم يصدقوه انتهى ولو وعد
١٥٩
يهودي لإنسان رزقه وأقسم عليه لاعتمد بوعده وقسمه فقاتله الله كيف لا يعتمد على الرزق قال هرم بن سنان لأويس القرني رضي الله عنه : أين تأمرني أن أكون فأومأ إلى الشام فقال هرم : كيف المعيشة بها؟ قال اويس : اف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة ﴿مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ أي كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في حقيقته وبالفارسي همنانكه شك نيست شمارادر سخن خودشك نيست در روزى دادن من وغير او.
ونصبه على الحالية من المستكن في الحق أو على أنه وصف لمصدر محذوف أي أنه لحق حقاً مثل نطقكم فإنه لتوغله في الإبهام لا يتعرف بإضافته إلى معرفته وما زائدة أو عبارة عن شيء على أن يكون ما بعدها صفة لها بتقدير المبتدأ أي نو أنكم تنقطون.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥