والأشاعرة أنكروا صحة توجيه تعليل أفعال الله تعالى معنى وإن كان واقعاً لفظاً تمسكاً بأن الله تعالى مستغن عن المانع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة إليه ولا إلى غيره لأنه تعالى قادر على إيصال تلك المنفعة من غير توسيط العمل فلا يصلح أن يكون غرضاً فعندهم لام التعليل يكون استعارة تبعية تشبيهاً لعبادة العباد بما يفرض علة لخلقه في الترتب عليه وأكثر الفقهاء والمعتزلة قالوا بصحته لمنفعة عائدة إلى عباده تمسكاً بأن الفعل الخالي عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال كما في شرح المشارق لابن الملك رحمه الله قال ابن الشيخ : استدلت المعتزلة بقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون على أن أفعال الله معللة بالأغراض وعلى أن مراد الله جائزان يتخلف عن إرادته إذا كان المراد من الأفعال الاختيارية للعباد وجه دلالته عليها هو أن وضع اللام لأن تدخل على ما هو غرض من الفعل فتكون العبادة غرضاً من خلق الجن والإنس والغرض يكون مراداً فينتج أن العبادة غرض من جميع الجن والإنس وظاهر أن بعضاً منهم لم يعبده فتخلف مراده عن إرادته وهو المطابق والجواب عن الأول أنه لما دل الدليل القطعي على أنه تعالى لا يفعل فعلاً لغرض وجب أن يؤول اللام في مثل هذه المواضع بأن يقال أن الحكم والمصالح التي تترتب على فعله تعالى وتكون هي غاية له لما كانت بحيث لو صدر ذلك الفعل من غيره تعالى لكانت هي غرضاً لفعله شبهت بالغرض الحقيقي فدخلت عليها اللام الدالة على الغرض لأجل ذلك التشبيه وأطلق عليها اسم الغرض لذلك حتى قيل الغرض من خلق ما في الأرض انتفاع الناس به لقوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً وهذا الجواب إنما يتأتى في اللام الداخلة على ما هو غاية مترتبة على الفعل ولا ينفع في قوله تعالى إلا ليعبدون لأن العبادة لم تكن غاية مترتبة على خلق كثير من الجن والإنس حتى يقال أنها شبهت بالغرض من حيث كون الفعل مؤدياً إليها وكونها مترتبة عليه فأطلق عليها اسم الغرض ودخل عليها لام الغرض لذلك ولكنه لو تم لكان جواباً عن الاستدلال الثاني لأنه مبني على كون مدلول اللام غرضاً في نفس الأمر وما كان غرضاً على طريق التشبيه لا يكون مراداً فلا يلزم من عدم ترتبه على الفعل تخلف المراد عن الإرادة فلا يتم الاستدلال وأشار المصنف إلى جوابه بقوله لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مستعدة لها جعل خلقهم مغيابها وتقريره أن العبادة ليست غاية مترتبة على خلقهما
١٧٧
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥