فضلاً عن أن تكون غرضاً ومراداً حتى يلزم من عدم ترتتبها على خلقهما تخلف المراد عن الإرادة وإنما دخلت عليها اللام التي حقها أن تدخل لعى الغرض أو على ما شبه به في كونه مترتباً على الفعل وحاملاً عليه في الجملة تشبيهاً لها بالغاية المترتبة من حيث أن الجن والإنس خلقوا على صورة متوجهة إلى العبادة أي صالحة قابلة لها مغلبة أي قادرة عليها متمكنة منها وقد انضم إلى خلقهم على تلك الصورة إن هدوا إلى العبادة بالدلائل السمعية والعقلية فصاروا بذلك كأنهم خلقوا للعبادة وأنها غاية مترتبة على خلقهم فلذلك أطلق عليها اسم الغاية ودخلت عليها لام الغاية مبالغة في خلقهما على تلك الصورة ولما وجه الآية بإخراج اللام عن ظاهر معناها بجعلها للمبالغة في خلقهم بحيث تتأتى منهم العبادة أشارة إلى وجه العدول عن الظاهر بقوله ولو حمل على ظاهره لتطرق إليه المنع والإبطال وللزم تعارض الآيتين لأن من خلق منهم لجهنم لا يكون مخلوقاً للعبادة انتهى ما في حواشي ابن الشيخ وقال في بحر العلوم أي وما خلقت هذين الفريقين إلا لأجل العبادة وهي قيام العبد بما تبعد به وكلف من امتثال الأوامر والنواهي أو الا لأطلب العبادة منهم وقد طلب من الفريقين العبادة في كتبه المنزلة على أنبيائه وهذا التقدير صحيح لا تقدير الإرادة لأن الطلب لا يستلزم المطلوب بخلاف الإرادة كما تقرر في موضعه فيكون حاصله ما قال بعضهم في تصوير المعنى إلا ليؤمروا بعبادتي كما في قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً وهذا مستمر على مذهب أهل السنة فلو أنهم خلقوا للعبادة ما عصوا طرفة عين لكنهم خلقوا للأمر التكليفي الطلبي دون الأمر الإرادي وإلا لم يتخلف المراد عن الإرادة ولما كان لعين العاصي الثابتة في الحضرة العلمية استعداد التكليف توجه إليها الأمر التكليفي ولما لم يكن لتلك العين استعداد الإتيان بالمأمور به لم يتحقق منها المأمور به ولهذا تقع المخالفة والمعصية فإن قلت ما فائدة التكليف والأمر بما يعلم عدم وقوعه قلت فائدة تمييز من له استعداد القبول ممن ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة وأهلهما وقيل المراد سعداء الجنسين كما أن المراد بقوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس أشقياؤهما ويعضده قراءة من قرأ وما خلقت الجن والإنس الؤمنين بدليل أن الصبيان والمجانين مستثنون من عموم الآية بدليل قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس قال ابن الملك فإن قلت كيف تكون العبادة علة للخلق ولم تحصل تلك في أكثر النفوس قلنا يجوز أن يراد من التفوس نفوس المؤمنين لقراءة ابن عباس رضي الله عنهما وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون وأن يراد مطلقها بأن يكون المراد بالعبادة قابلية تكليفها كما قال عليه السلام : ما من مولود يولد إلا على الفطرة وإما أن أريد منها المعرفة فلا إشكال لأنها حاصلة للكفرة أيضاً كما قال الله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله انتهى وقال مجاهد واختاره البغوي معناه إلا ليعرفون ومداره قوله عليه السلام فيما يحكيه عن رب العزة كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف ولعل السر في التعبير عن المعرفة بالعبادة على طريق إطلاق اسم السبب على المسبب التنبيه على أن المعتبر هي المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى لا ما يحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة كما في الإرشاد وقال بعضهم : لم أخلقهم إلا لأجل العبادة باختيارهم لينالوا الشرف والكرامة عندي ولم أقسرهم عليها إذ لو قسرتهم عليها لوجدت منهم وأنا غني عنهم وعن عبادتهم والحاصل أنهم خلقوا للعبادة تكليفاً واختيار الأجبلة وإجباراً فمن وفقه وسدده أقام العبادة التي خلق لها ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق له وفي الحديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له كما في عين المعاني وقال الشيخ نجم الدين دايه في تأولاته وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون لأن ذرة معرفتي مودعة
١٧٨
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥


الصفحة التالية
Icon