قال سهل جزاء الأعمال الأكل والشرب ولا يساوي أعمال العباد أكثر من ذلك وأما شراب الفضل فهو قوله وسقاهم ربهم شراباً طهوراً وهو شراب على رؤية المكاشفة والمشاهدة ﴿مُتَّكِـاِينَ﴾ حال من الضمير في كلوا واشربوا أي معتمدين ومستندين ﴿عَلَى سُرُرٍ﴾ جمع سرير وهو الذي يجلس عليه وهو من السرور إذا كان ذلك لا ولي النعمة وسرير الميت تشبيه به في الصورة وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى الله وخلاصة من سجنه المشار إليه بقوله عليه السلام : الدنيا سجن المؤمن ﴿مَّصْفُوفَةٍ﴾ مصطفة قد صف بعضها إلى جنب بعض أو مرمولة أي معينة بالذهب والفضة والجواهر وبالفارسية بر تختهاى بافته بزر.
والظاهر أن جمع السرر مبني على أن يكون لكل واحد منهم سرر متعددة مصطفة معدة لزائريهم فكل من اشتاق إلى صديقه يزوره في منزله قال الكلبي صف بعضها إلى بعض طولها مائة ذراع في السماء يتقابلون عليها في الزيارة وإذا أراد أحدهم القعود عليها تطامنت واتضعف فإذا قعد عليها ارتفعت إلى أصل حالها ﴿وَزَوَّجْنَـاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾ واحد الحور حوراء وواحد العين عيناى وإنما سمين حور ألان الطرف يحار في حسنهن وعينا لأنهن الواسعات إلا عين مع جمالها والباء للتعدية مع أن التزويج مما يتعدى إلى
١٩١
مفعولين بلا واسطة قال تعالى : زوجنا كنا لما فيه من معنى الوصل والالصاق أو للسببية والمعنى صيرناهم أزواجاً بسببهن فإن الزوجية لا تتحقق بدون انضمامهن إليهم يعني أن التزويج حينئذ ليس على أصل معناه وهو النكاح وعقد النكاح بل بمعنى تصييرهم أزواجاً فلا يتعدى إلى مفعولين وبالفارسية وجفت كردانيم ايشانرا برنان سفيد روى كشاده شم.
قال الراغب وقرناهم بهن ولم يجيء في القرآن زوجناهم حوراً كما يقال زوجته امرأة تنبيهاً على أن ذلك لم يكن على حسب التعارف فيما بيننا من المناكح انتهى قال في فتح الرحمن وقرناهم ولبس في الجنة تزويج كالدنيا انتهى يعني أن الجنة ليست بدار تكليف فشأن تزويج أهل الجنة بالحور بقبول بعضهم بعضاً لا بأن يعقد بينهم عقد النكاح قال في الواقعات المحمودية أن لأهل الجنة بيوت ضيافة يعملون فيها الضيافة للأحباب ويتنعمون ولكن أهليهم لا يظهرن لغير المحارم انتهى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
يقول الفقير : الظاهر أن عدم ظهورهن ليس من حيث الحرمة بل من حيث الغيرة يعني أن أهل الرجل إشارة إلى سره المكتوم فاقتضت الغيرة الإلهية أن لا تظهر لغير المحارم كما أن السر لا يفشي لغير الأهل وإلا فالحل والحرمة من توابع التكليف ولا تكليف هنالك وإنما كان ذلك ونحوه من باب التلذذ ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ مبتدأ خبره الحقنا بهم ﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم﴾ عطف على آمنوا أي نسلهم ﴿بِإِيمَـانٍ﴾ متعلق بالاتباع والتنكير للتقليل أي بشيء من الإيمان وتقليل الإيمان ليس مبنياً على دخول الأعمال فيه بل المراد قلة ثمراته ودناءة قدره بذلك فالتقليل فيه بمعنى التحقير والمعنى واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجملة قاصرين عن رتبة إيمان الآباء واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الإيمان الكامل أصالة لا إلحاقاً ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أي أولادهم الصغار والكبار في الدرجة كما روي أنه عليه السلام قال : إنه تعالى يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقربهم عينه أي يكمل سروره ثم تلا هذه الآية وفيها دلالة بينة على أن الولد الصغير يحكم بإيمانه تبعاً لأحد أبويه وتحقيقاً للحوقه به فإنه تعالى إذا جعلهم تابعين لآبائهم ولاحقين بهم في أحكام الآخرة فينبغي أن يكون تابعين لهم ولاحقين بهم في أحكام الدنيا أيضاً قال في فتح الرحمن : إن المؤمنين أولادهم الكبار والصغار بسبب إيمانهم فكبارهم بإيمانهم بأنفسهم وصغارهم بأن اتبعوا في الإسلام بآبائهم بسبب إيمانهم لأن الولد يحكم بإسلامه تبعاً لأحد أبويه إذا أسلم وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وقال مالك يحكم بإسلامه تبعاً لإسلام أبيه دون أمه وأما إذا مات أحد أبويه في دار الإسلام فقال أحمد يحكم بإسلامه وهو من مفردات مذهبه خلافاً للثلاثة واختلفوا في إسلام الصبي المميز وردته فقال الثلاثة يصحان منه وقال الشافعي لا يصحان وفي هدية المهديين إسلام الصبي العاقل وهو من كان في البيع سالباً وفي الشراء جالباً صحيح استحساناً حتى لا يرث من أقاربه الكفار ويصلى عليه إذا مات وارتداده ارتداد استحساناً في قول أبي حنيفة ومحمد إلا أنه يجبر على أحسن الوجوه ولا يقتل لأنه ليس من أهل العقوبة وفي الأشياء إن قيل أي مرتد لا يقتل فقل من كان إسلامه تبعاً أو فيه شبهة وأي رضيع يحكم بإسلامه بلا تبعية فقل لقيد في دار الإسلام وفي الهدية أيضاً صبي
١٩٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤


الصفحة التالية
Icon