يقول الفقير : الظاهر أن المن والإنعام ءنما هو بالجنة ونعيمها كما دل عليه قوله :﴿وَوَقَـاـانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ أي حفظنا من عذاب النار النافذة في المسام أي نقب الجسد كالمنخر والفم والأذن نفوذ السموم وهي الريح الحارة التي تدخل المسام فأطلق على جهنم لنفوذ حرها في المسام كالسموم وفي المفردات السموم الريح الحارة التي تؤثر تأثير السم وقال البقلي : هذا شكر من القوم في رؤية الحق سبحانه أي كنا مشفقين من الفراق في الدنيا والبعد في يوم التلاق فمن الله علينا ووقانا من ذلك العذاب المحرق المفني هذا في أوائل الرؤية أما إذا استقاموا في الوصال نسوا ما كان فيهم من ذكر الإشفاق وغيره والإشفاق وصف الأرواح والخوف صفة القلوب وقال الجليد قدس سره الإشفاق أرق من الخوف والخوف اصلب وقال بعضهم : الإشفاق للأولياء والخوف لعامة المؤمنين وقال الواسطي قدس سره لاحظوا دعاءهم وشفقتهم ولم يعلموا أن الوسائل قطعت المتوسلين عن حقيقة وحجبت من إدراك من لا وسيلة إلا به ﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ﴾ أي من قبل لقاء الله والمصير إليه يعنون في الدنيا ﴿نَدْعُوهُ﴾ أي نعبده أو نسأله الوقاية ﴿إِنَّه هُوَ الْبَرُّ﴾ أي المحسن ﴿الرَّحِيمُ﴾ الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب قال الراغب البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعلي الخير وينسب ذلك تارة إلى الله تعالى نحو أنه هو البر الرحيم وإلى العبد تارة فيقال بر العبد ربه أي توسع في طاعته فمن الله الثواب ومن العبد الطاعة وذلك ضربان : ضرب في الاعتقاد وضرب في الأعمال الفرائض والنوافل وبر الوالدين التوسع في الإحسان إليهما وضده العقوق قال في شرح الأسماء : من عرف أنه هو البر الرحيم رجع إليه بالرغبة في كل حقير وعظيم فكفاه ما أهمه ببره ورحمته وقد قال في حكم ابن عطاء : متى أعطاك أشهدك بره وإحسانه وفضله ومتى منعك أشهدك قهره وجلاله وعظمته فهو في كل ذلك متعرف إليك تارة بجماله وأخرى بجلاله ومقبل بوجود لطفه عليك اذوجه لك ما يوجب توجهك إليه ولكن إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه إذ لو فهمت عنه كنت تشكره على ما واجهك منه فقد قال ابو عثمان
١٩٧
المغربي قدس سره الخلق كلهم مع الله في مقام الشكر وهم يظنون أنهم في مقام الصبر وقال ابراهيم الخواص قدس سره : لا يصح الفقر للفقير حتى يكون فيه خصلتان : إحداهما الثقة بالله والثانية الشكر له فيما روي عنه في الدنيا مما ابتلي به غيره ولا يكمل الفقير حتى يكون نظر الله له في المنع أفضل من نظره له في العطاء وعلامة صدقه في ذلك أن يجد للمنع من الحلاوة ما لا يجد للعطاء والتقرب باسم البر تعلقاً وجود محبته لإحسانه وترك التدبير معه لما توجه من إكرامه وكثرة الدعاء كما قال : إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم وتخلقاً بالنفع لعباد الله والشفقة عليهم فإن البر هو الذي لا يؤذي الذر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
وفي التأويلات النجمية وأقبل بعضهم يعني القلب والروح على بعض يعني النفس يتساءلون قالوا : إنا كنا قبل أي قبل السير والسلوك في أهلنا أي في عالم الإنسان مشفقين أي خائفين من سموم الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية والشهوات الدنيوية فإنها مهب سموم قهر الحق فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم أي سموم قهره ولولا فضله ما تخلصنا منه بجهدنا وسعينا بل إنا كنا من قبل ندعوه ونتضرع إليه بتوفيقه في طلب النجاة وتحصيل الدرجات إنه هو البر بمن يدعوه الرحيم بمن ينيب إليه ﴿فَذَكِّرْ﴾ قال ابن الشيخ لما بين الله : إن في الوجود قوماً يخافون الله ويشفقون في أهلهم والنبي عليه السلام مأمور بتذكير من يخاف الله فرع عليه قوله فذكر بالفاء.
وقال الكاشفي : آورده اندكه جماعتى مقتسمان برعقبات مكه حضرت رسول را عليه السلام نزد قبائل عرب بكهانت وجنون وسحر وشعر منسوب ميساختند وآن حضرت اندوهناك ميشد آيت آمدكه فذكر أي فأثبت على ما أنت عليه من تذكير المشركين بما أنزل إليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكثرت بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل ﴿فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ﴾ نعمت رسمت بالتاء ووقف عليها بالهاء أين كثري وبو عمرو والكسائي ويعقوب أي بسب إنعامه بصدق النبوة وزيادة العقل.


الصفحة التالية
Icon