وغيرهم أو ننتظر أوجاع الموت كما مات أبوه شاباً وذلك كما تتمنة الصبيان في المكتب موت معلمهم ليتخلصوا من يده فويل لمن أراد هلام معلمه في الدين وكان محروماً من تحصيل اليقين ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي والأمر بالتربص للتهديد قال الراغب : التربص انتظار الشخص سلعة كان يقصد بها غلاء أو رخصاً أو أمراً ينتظر زواله أو حصوله انتهى وفيه عدة كريمة بإهلاكهم وجاء في التفسيران جميعهم ماتوا قبل رسول الله تعالى عليه وسلم وقد وقع في زماننا أن بعض الوزراء أهان بعض الأولياء فأجلاه وكان ينتظر هلاكه فهلك قبله هلاكاً هائلاً حيث قتل وقتل معه ألوف وفي الآية إشارة إلى التربص في الأمور ودعوة الخلق إلى الله والتوكل على الله فيما يجري على عباده والتسليم لأحكامه في المقبولين والمردودين إذ كل يجري على ما قضاه الله ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـامُهُم﴾ أي دع تفوههم بهذه الأقوال الزائغة المتناقضة وفيهم ما هو أقبح من ذلك وهو أنهم سفهاء ليسوا من أهل التمييز والأحلام العقول قال الراغب : وليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل والحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب ﴿بِهَـاذَآ﴾ أي بهذا التناقض في المقال فإن الكاهن يكون ذا فطنة ودقة نظر في الأمور والمجنون مغطى عقله مختل فكره والشاعر ذو كلام موزون متسق مخيل فكيف يجتمع هؤلاء في واحد وأمر الأحلام بذلك مجاز عن أدائها إلى التناقض بعلاقة السببية كقوله أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا لا أنه جعلت الأحلام آمرة على الاستعارة المكنية وفي الحواشي جعلت الحلوم آمرة مجازاً ولضعفها جمعت جمع القلة قال في القاموس : الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا والجمع أحلام والحلم بالكسر الأناة والعقل والجمع أحلام وحلوم ومنه أم تأمرهم أحلامهم وهو حليم والجمع حلماء وأحلام انتهى.
وكان قريش يدعون أهل الأحلام والنهي فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمرهم معرفة الحق من الباطن وقيل لعمرو بن العاص رضي الله عنه : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقول فقال تلك عقول كادها الله أي لم يصحبها التوفيق وفي الخبر أن الله لما خلق العقل قال له : ادبر فأدبر ثم قال له : أقبل فأقبل.
يعني كفت بوى شت بركن شت بركرد س كفت روي بازكن روي بازكرد.
فإني لم أخلق خلقاً أكرم علي منك بك أعبد وبك أعطي وبك آخذ قال ابو عبد الله المغربي لما قال له ذلك تداخله العجب فعوقب من ساعته فقيل له : التفت فلما التفت نظر إلى ما هو أحسن منه فقال : من أنت؟ قال أنا الذي لا نقوم إلا بي قال : ومن أنت؟ قال التوفيق.
وفي المثنوي :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
جز عنايت كي كشايد شم را
جز محبت كي نشاند خشم را
جهد بي توفيق خودكس را مباد
در جهان والله أعلم بالرشاد
روي أن صفوان بن أمية فخر على رجل فقال : أنا صفوان بن أمية بن خلف ابن فلان فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأرسل إليه وغضب فلما جاء قال : ثكلتك أمك ما قلت فهاب عمر أن يتكلم فقال عمر : إن كان لك تقوى فإن لك
٢٠١
كرماً وإن كان لك عقل فإن لك أصلاً وإن كان لك خلق حسن فإن لك مروءة وإلا فأنت شر من الكلب ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ مجاوزون الحدود في المكابرة والعناد مع ظهور الحق لا يحومون حول الرشد والسداد ولذلك يقولون ما يقولون من الأكاذيب الخارجة عن دائرة العقول والظنون.
قال ابن الشيخ : ثم قيل لا بل ذلك من طغيانهم لأنه أدخل في الذم من نقصان العقل وأبلغ في التسلية لأن من طغى على الله فقد باء بغضبه ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ هو ترق إلى ما هو إبلغ في كونه منكراً وهو أن ينسبوا إليه عليه السلام أنه يختلق القرآن من تلقاء نفسه ثم يقول : إنه من عند الله افتراء عليه والتقول تكلف القول ولا يستعمل إلا في الكذب والمعنى اختلق القرآن من تلقاء نفسه وليس الأمر كما زعموا ﴿بَل لا يُؤْمِنُونَ﴾ البتة لأن الله ختم على قلوبهم وفي الإرشاد فلكفرهم وعنادهم يرمونه بهذه الأباطيل التي لا يخفى على أحد بطلانها كيف لا وما رسول الله إلا واحد من العرب أتى بما عجز عنه كافة الأمم من العرب والعجم وفي كون ذلك مبنياً على العناد إشارة إلى أنهم يعلمون بطلان قولهم وتناقضه ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾ أي إذا كان الأمر كما زعموا من أنه كاهن أو مجنون أو شاعر ادعى الرسالة وتقول القرآن من عند نفسه فليأتوا بكلام مثل القرآن في النعوت التي استقل بهم من حيث النظم ومن حيث المعنى قال في التكملة : المشهور في القرآن بحديث مثله بالتنوين فيكون الضمير راجعاً إلى القرآن.


الصفحة التالية
Icon