﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفًا﴾ أي قطعة ﴿مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطًا﴾ عليهم لتعذيبهم وفي عين المعاني قطعة من العذاب أو من السماء أو جانباً منها من الكسف وهو التغطية كالكسوف وفي القاموس الكسفة بالكسر القطعة من الشيء والجمع كسف وكسف وفي المختار وقيل الكسف والكسفة واحد ﴿يَقُولُوا﴾ من فرط طغيانهم وعنادهم ﴿سَحَابٌ مَّرْكُومٌ﴾ غليظ أو متراكب أي هم في طغيان بحيث لو أسقطناه عليهم حسبما قالوا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً لقالوا : هذا سحاب تراكم أي ألقى بعضها على بعض يمطرنا ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
وفي التأويلات النجمية يعني أنهم وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها كما قال تعالى : ولو فتحنا عليهم باباً
٢٠٤
من السماء حتى شاهدوا بالعين لقالوا إنما سكرت أبصارنا وليس هذا عياناً ومشاهدة ﴿فَذَرْهُمْ﴾ س دست بدار از ايشان يعني حرب مكن با ايشان كه هنوز بقتال مأمور نيستى ومكافات ايشان بكذار ﴿حَتَّى يُلَـاقُوا﴾ يعاينوا وبالفارسي تا وقتى كه بينند معاينه ﴿يَوْمَهُمُ﴾ مفعول به لا ظرف ﴿الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ أي يهلكون وبالفارسي هلاك كرده شوند وهو على البناء للمفعول من صعقته الصاعقة أو من أصعقته أماتته وأهلكته قال في المختار : صعق الرجل بالكسر صعقة غشى عليه وقوله تعالى فصعق من في السموات ومن في الأرض أي مات وهو يوم يصيبهم الصعقة بالقتل يوم بدر لا النفخة الأولة كما قيل إذ لا يصعق بها إلا من كان حياً حينئذٍ قال ابن الشيخ المقصود من الجواب عن الاقتراح المذكور بيان أنهم مغلوبون بالحجة مبهوتون وإن طعنهم ذلك ليس إلا للعناد والمكابرة حتى لو أجبناهم في جميع مقترحاتهم لم يظهر منهم إلا ما يبتنى على العناد والمكابرة فلذلك رتب عليه قوله فذرهم بالفاء ﴿يَوْمَ لا يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـاًا﴾ أي شيء من الإغناء في رد العذاب وبالفارسية روزى كه نفع نكند وباز ندارد از ايشان مكر ايشان يزى را از عذاب.
وهو بدل من يومهم ﴿وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ من جهة الغير في رفع العذاب عنهم ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي وإن لهؤلاء الظلم أبي جهل وأصحابه ﴿عَذَابًا﴾ آخر ﴿دُونَ ذَالِكَ﴾ غير ما لاقوه من القتل أي قبله وهو القحط الذي أصابهم سبع سنين كما مر في سورة الدخان أو وراءه وهو عذاب القبر وما بعده من فنون عذاب الآخرة ﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ إن الأمر كما ذكر لفرط جهلهم وغفلتهم أو لا يعلمون شيئاً أصلاً وفيه إشارة إلى أن منهم من يعلم ذلك وإنما يصر على الكفر عناداً فالعالم العامل والجاهل سواء فعلى العاقل أن يحصل علوم الآخرة ويعمل بها قال بعض الكبار : العلم علمان علم تحتاج منه مثل ما تحتاج من القوت فينبغي الاقتصاد والاقتصار على قدر الحاجة منه وهو علم الأحكام الشرعية فلا ينبغي النظر فيه إلا بقدر ما تمس الحاجة إليه في الوقت فإن تعلق تلك العلوم إنما هو بالأحوال الواقعة في الدنيا لا غير وعلم ليس له حد يوقف عنده وهو العلم المتعلق بالله ومواطن القيامة إذ العلم بمواطنها يؤدي العالم بها إلى الاستعداد لكل موطن بما يلق به لأن الحق تعالى بنفسه هو المطالب في ذلك اليوم بارتفاع الوسائط وهو يوم الفصل فينبغي للإنسان العاقل أن يكون على بصيرة من أمره معداً للجواب عن نفسه وعن غيره في المواطن التي يعلم أنه يطلب منه الجواب فيها فلهذا ألحقنا علم مواطن القيامة بالعلم بالله انتهى وفي الآية إثبات عذاب القبر فإن الله تعالى يحيي العبد المكلف في قبره ويرد الحياة إليه ويجعله من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ليعقل ما يسأل عنه وما يجيب به ويفهم ما أتاه من ربه وما أعد له من كرامة وهوان ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أخبر عليه السلام بفتنة الميت في قبره وسؤال منكر ونكير وهما الملكان : يا رسول الله أيرجع إلي عقلي؟ قال : نعم قال : إذا أكفيكهما والله لئن سألاني لأسألنهما وأقول لهما أنا ربي الله فمن ربكما أنتما وأنكرت الملحدة ومن نمذهب من الإسلاميين بمذهب الفلاسفة عذاب القبر وأنه ليس له حقيقة وقد رؤي أبو جهل
٢٠٥
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
في جانب مصرعه في بدر أنه خرج من الأرض وفي عنقه سلسلة من نار يمسك أطرافها أسود وهو يطلب الماء حتى أدخله الأسود في الأرض بجذب شديدة واختلاف أحوال العصاة في عذاب القبر بحسب اختلاف معاصيهم وأكثر عذاب القبر في البول فلا بد من التنزه عنه وسمع البهائم عذاب القبر وإنما لم يسمع من يعقل من الجن والإنس وكان عليه السلام يدعو ويقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وينجي المؤمن من أهوال القبر وفتنته وعذابه خمسة أشياء :
الأول : الرباط في سبيل الله ولو يوماً وليلة.
والثاني : الشهادة بأن يقتل في سبيل الله.
والثالث : سورة الملك فإن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان.


الصفحة التالية
Icon