وأما جنس الجنم وهويه كما قال تعالى :﴿إِذَا هَوَى﴾ غربه وطلوعه يقال هوى يهوى من الثاني هويا بوزن قبول إذا غرب فإن الهوى سقوط من علو إلى أسفل ونويا بوزن دخول إذا علا وصعد والعامل في إذا القسم أي أقسم فإنه بمعنى مطلق الوقت منسلخ عن معنى الاستقبال كما في قولك آتيتك إذا احمر البسر فلا يلزم علم فعل الحال في المستقبل يعني إن فعل القسم إنشاء والإنشاء خال وإذا لما يستقبل من الزمان فيكون المعنى أقسم الآن بالنجم وقت هوى بعد هذا الزمان ثم إن الله تعالى أقسم بالنجم حين هوى أي وقت هويه لأن شأنه أن يهتدي به الساري إلى مسالك الدنيا كأنه قيل والنجم الذي يهتدى به السابلة في البر والجارية في البحر إلى سواء السبيل والسمت ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾ هو جواب القسم أي ما عدل عن طريق الحق الذي هو مسلك الآخرة وهذا دليل على أن قوله ووجدك ضالاً ليس من ضلال الغي فإنه عليه السلام قبل الوحي وبعده لم يزل يعبد ربه ويوحده ويتوقى مستقبحات الأمور وفيه بيان فضل النبي عليه السلام حيث أن الله تعالى قال في حق آدم عليه السلام وعصة آدم ربه فغوى وقال في حقه ما ضل صاحبكم ﴿وَمَا غَوَى﴾ الغي هو الجهل المركب قال الراغب الغي جهل من اعتقاد فاسد وذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد أصلاً لا صالحاً ولا فاسداً وقد يكون من اعتقاد شيء فاسد وهذا الثاني يقال له غي فعطفه على ما ضل من عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الاعتقاد بمعنى أنه فرق بين الغي والضلال وليسا بمعنى واحد فإن الغواية هي الخطأ في الاعتقاد خاصة والضلال أعم منها يتناول الخطأ في الأقوال والأفعال والأخلاق والعقائد التي شرعها الله وبينها لعباده فالمعنة وما اعتقد باطلاً قط أي هو في غاية الهدة والرشد وليس مما تتوهمونه من الضلال والغواية في شيء أصلاً وكانوا يقولون ضل محمد عن دين آبائه وخرج عن الطريق وتقول شيئاً من تلقاء نفسه فرد الله عليهم بنفسه بتنزيل هذه السورة تعظيماً له والخطاب لقريش وإيراده عليه السلام بعنوان صاحبيته لهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله وإحاطتهم خبراً ببراءته عليه السلام مما نفي عنه بالكلية وباتصافه بغاية الهدى والرشاد فإن طول صحبتهم له ومشاهدتهم محاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتماً كما في الإرشاد وقال الكاشفي :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
وتسميه صاحب بجهت آنست كه حضرت يغمبر عليه السلام مأمور بود بصحبت كافران جهت دعوت ايشان.
ويؤيد ما في الإرشاد قول الراغب في المفردات لا يقال الصاحب في العرف إلا لمن كثرت ملازمته وقوله تعالى ثم تفكروا ما بصاحبكم من جنة سمي النبي عليه السلام صاحبهم تنبيهاً أي أنكم صحبتموه وجربتموه وعرفتم ظاهره وباطنه ولم تجدوا به خبلاً وجنة وتقييد القسم بوقت الهوى لأن النجم لا يهتدى به الساري عند كونه في وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب وإنما يهتدي به عند هبوطه أو صعوده مع ما فيه من كمال المناسبة لما سيحكى من تدلي جبريل من الأفق الأعلى ودنوه منه عليهما السلام وقال سعدي المدتي ثم التقييد بوقت الهوى أي الغروب لكونه أظهر دلالة على وجود الصانع وعظيم قدرته كما قال الخليل عليه السلام لا أحب الآفلين قال ابن الشيخ
٢١٠


الصفحة التالية
Icon