ـ وروي ـ أن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : يا رسول الله أرني جبرائيل في صورته فقال : إنك لا تستطيع أن تنظر إليه قال : بلة يا رسول الله أرنيه فقعد ونزل جبرائيل على خشبة في الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها إذا طافوا فقال عليه السلام : ارفع طرفك يا حمزة فانظر فرفع عينيه فإذا قدماه كالزبرجد الأخضر فخر مغشياً عليه.
ـ وروي ـ أنه رآه على فرسع والدنيا بين كلكلها وفي وجهه أخدود من البكاء لو ألقيت السفن فيه لجزت وإنما رآه عليه السلام مرتين ليكمل له الأمر مرة في عالم الكون والفساد وأخرى في المحل الأنزه الأعلى وإنما قام بصورته ليؤكدان ما يأتيه في صورة دحية هو هو فإنه إذا رآه في صورة نفسه عرفه حق معرفته ولم يبق عليه إشتباه
٢١٤
بوجه ما وفي كشف الأسرار فإن قيل : كيف يجوز أن يغير الملك صورة نفسه وهل يقدر غير الله على تغيير صورة المخلوقين وقد قلتم أن جبرائيل أتى رسول الله مرة في صورة رجل ومرة في صورته التي ابتدأه الله عليها وأن إبليس أتى قريشاً في صورة شيخ من أهل نجد فالجواب عنه تغيير الصور الذي هو تغيير التركيب والتأليف لا يقدر عليه إلا الله وأما صفة جبرائيل ففعل الله تعالى تنبيهاً للمصطفة عليه السلام وليعلم أنه أمر من الله إذ رآه في صور مختلفة فإن ذلك لا يقدر عليه إلا الله وهو أن يراه مرة قد سد الأفق وأخرى يجمعه مكان ضيق وأما إبليس فكان ذلك منه تخييلاً للناظرين وتمويهاً دون التحقيق كفعل السحرة بالعصي والحبال قال الله تعالى : فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى انتهى ما في الكشف وقال في آكام المرجان قال القاضي أبو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور أي صور الإنس والبهائم والطير وإنما يجوز أن يعلمهم الله تعالى كلمات وضرباً من ضروب الأفعال إذا فعله وتكلم به نقله الله من صورة إلى صورة فيقال إنه قادر على التصور والتخييل على معنى أنه قادر على قول إذا قاله أو على فعل إذا فعله نقله الله من صورته إلى صورة أخرى بجري العادة وإما يصور نفسه فذلك محال لأنه انتقالها من صورة إلى صورة إنما يكون بنقض البنية وتفريق الأجواء وإذا انتقضت بطل الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة فكيف ينقل نفسه قال والقول في تشكيل الملائكة من ذلك انتهى.
وقال والهى الاسكوبي فيه أن من قال تمثل جبريل وتصور إبليس ليس مراده أنهما أحدثا تلك الصورة والمثال عن قدرة أنفسهما بل بأقدار الله على التمثيل والتصوير كيف يشاء فلا منافاة بين القولين غاية ما في الباب أن العامل عن طريق أقدار الله به من الأسباب المخصوصة انتهى وقال في إنسان العيون : فإن قيل إذا جاء جبريل على صورة الآدمي دحية أو غيره بل هي الروح تتشكل بذلك الشكل وعليه على يصير جسده الأصلي حياً من غير روح أو ميتاً أجيب بأن الجائي يجوز أن لا يكون هو الروح بل الجسد لأنه يجوز أن الله تعالى جعل في الملائكة قدر على التطور والتشكل بأي شكل أرادوه كالجن فيكون الجسد واحداً ومن ثمة قال الحافظ ابن حجر : إن تمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيساً لمن يخاطبه والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط وأخذ من ذلك بعض غلاة الشيعة أنه لا مانع ولا بعد أن الخق تعالى يظهر في صورة علي وأولاده الإثني عشر رضي الله عنهم ويجوز أن يكون الجسد للملك متعدداً وعليه فمن الممسكن أن يجعل الله لروح الملك قوة يقتدر بها على التصرف في جسد آخر غير جسدها المعهود مع تصرفها في ذلك الجسد المعهود كما هو شأن الإبدال لأنهم يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم شبحاً آخر شبيهاً لشبحهم الأصلي بدلاً منه وقد ذكر ابن السبكي في الطبقات أن كرامات الأولياء أنواع وعد منها أن يكون له أجساد متعددة قال وهذا هو الذي يسميه الصوفية بعالم المثال ومنه قصة قضيب البان وغيره أي كواقعة الشيخ عبد القادر الطبحطوطي فقد ذكر الجلال السيوطي أنه رفع إليه سؤال في رجل حلف بالطلاق إن ولى الله الشيخ عبد القادر
٢١٥
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨


الصفحة التالية
Icon