الأحدي إلى المشهد الواحدي المسمى سدرة المنتهى التي هي شجرة الكثرة لابتداء الكثرة منها وانتهاى مظاهرها إليها بحسب الأعمال والأقوال والأفعال والأحوال شبهت السدرة بشجرة الكثرة لكثرة إظلالها وأغصانها كما في شجرة الكثرة التي هي الواحدية لظهور التعينات والتكثرات منها واستظلال المتعينات بها بالوجود العيني الخارجي انتهى وقال البقلي : ما الرؤية الثانية بأقل كشفاً من الرؤية الأولى ولا الأولى بأكشف من الرؤية الثانية أين أنت لو كنت أهلاً لقلت لك إنه عليه السلام رأى ربه في لحافه بعد أن رجع من الحضرة أيضاً في تلك الساعة وما غاب قلبه من تلك الرؤية لمحة وما ذكر سبحانه بيان أن ما رأى في الأولى في الإمكان وما رأى عند سدرة المنتهى كان واحداً لأن ظهوره هناك ظهور القدم والجلال وليس ظهوره يتعلق بالمكان ولا بالزمان إذ القدم منزه عن المكان والجهات وكان العبد في المكان والرب في المكان وهذا غاية في كمال تنزيهه وعظيم لطفه إذ تتجلى نفسه لقلب عبده وهو في الإمكان والعبد في مكان والعقل ههنا مضمحل والعلم متلاششٍ لأن العقول عاجزة والأوهام متحيرة والقلوب والهة والأرواح حائرة والأسرار فانية وفي هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه إذ رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ظن عليه السلام أن ما رآه في الأولى لا يكون في الكون لكمال علمه بتنزيه الحق فلما رآه ثانية علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان وعادة الكبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان كريماً فهذا من الله إظهار كمال حب لحبيبه وحقيقة الإشارة أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام التباس فليس الأمر وأظهر المكر بأن بان الحق من شجرة سدرة المنتهى كما بان من شجرة العنان لموسى ليعرف حبيبه بكمال المعرفة إذ ليس بعارف من لم يعرف حبيبه في ألبسة مختلفة انتهى ولما أراد سبحانه أن يعظم السدرة ويبين شرفها قال :﴿عِندَهَا﴾ أي عند السدرة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ والجملة حالية قيل : الأحسن أن يكون الحال هو الظرف وجنة المأوى مرتفع به بالفاعلية وإضافة الجنة إلى المأوى مثل إضافة مسجد الجامع أي الجنة التي يأوى إليها المتقون أي تنزل فيها وتصير وتعود إليها أرواح الشهداء وبالفارسية بهشتى كه آرامكاه متقيان يا مأوى ومكان أرواح شهداست او اوى إليها آدم وحواء عليهما السلام يقال : أويت منزلي وإليه أويا وأويا عدت وأويته نزلته بنفسي والمأوى المكان قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : آدم عليه السلام أنزل من جنة المأوى التي هي اليوم مقام الروح الأمين جبريل عليه السلام وهي اليوم برزخ لذرية آدم ونزل إليها جبرائيل من السدرة بنزول آدم وهذه الجنة لا تقتضي الخلود لذاتها فلذلك أمكن خروج آدم منها ولذلك تأثر بالاشتياق إلى أن يكون ملكاً بعد سجود الملائكة له بغرور إبليس إياه ووعده في الخلود رغبة في الخلود والبقاء مع جبرائيل والجنة التي عرضها السموات والأرض تقتضي الخلود لذاتها يعلم من دخلها أنه لا يمكن الخروج منها إذ لا سبيل للكون والفساد إليها قال تعالى في وصف عطائها أنه غير مجذوذ أي غير منقطع انتهى فالجنة التي عرضها السموات والأرض أرضها الكرسي الذي وسع السموات والأرض وسقفها العرش المحيط فهي محيطة بالجنان الثمان وليست هي الجنة التي أنزل منها
٢٢٦


الصفحة التالية
Icon