ورأى تلك الليلة طوائف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأوى وما في الجنان لأهل الإيمان وما في النيران لأهل الطغيان والظلم والأنوار وما يعجز عنه الأفكار وتحار فيه الأبصار ومن ذلك ما رآه في السموات من الأنبياء عليهم السلام إشارة بكل نبي إلى أمر دقيق جليل وحالة شريفة قال الإمام أبو القاسم السهيلي رحمه الله في الروض الأنف والذي أقول في هذا أن مأخذ فهمه من علم التعبير فإنه من علم النبوة وأهل التعبير يقولون : من رأى نبياً بعينه في المنام فإن رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبي في شدة وإرخاء أو غير ذلك من الأمور التي أخبر بها عن الأنبياء في القرآن والحديث مثلاً من رأى آدم عليه السلام في مكان على حسنه وجماله وكان للولاية أهلاً ملك ملكاً عظيماً لقوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة ومن رأى نوحاً عليه السلام فإنه يعيش عيشاً طويلاف ويصيبه شدة وأذى من الناس ثم يظفر بهم ومن رأى إبراهيم عليه السلام فإنه يعق أباه ويرزق الحج وينصر على أعدائه ويناله هول وشدة من ملك جائز ثم ينصر ومن رأى يوسف عليه السلام فإنه يكذب عليه ويظلم ويناله شدة ويحبس ثم يملك ملكاً ويظفر ومن رأى موسى وهارون عليهما السلام فإن الله يهلك على يده جباراً عنيداً ومن رأى سليمان عليه السلام فإنه بلى القضاء أو الملك أو يرزق
٢٢٩
الفقه ومن رأى عيسى عليه السلام فإنه يكون رجلاً مباركاً نفاعاً كثير الخير كثير السفر في رضى الله ومن رأى نبينا صلى الله عليه وسلّم وليس في رؤياه مكروه لم يزل خفيف الحال وإن رآه في أرض جدب أخصبت أو في أرض قوم مظلومين نصروا ومن رآه عليه السلام فإن كان مغموماً ذهب غمه وإن كان مديوناً قضى الله دينه وإن كان مغلوباً نصر وإن كان محبوساً أطلق وإن كان عبداً أعتق وإن كان غائباً رجع إلى أهله سالماً وإن كان معسراً أغناه الله وإن كان مريضاً شفاه الله تعالى وحديث الإسراء كان بمكة ومكة حرم الله وآمنه وقطانها جيران الله لأن فيها بيته فأول من رآه عليه السلام من الأنبياء كان آدم عليه السلام الذي كان في أمن الله وجواره فأخرجه إبليس عدوه منها وهذه القصة تشبهها الحالة الأولى من أحوال النبي عليه السلام حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجوار بيته وكربه ذلك وغمه فأشبهت قصته في هذا قصة آدم مع أن آدم تعرض عليه أرواح ذريته البر والفاجر منهم فكان في السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لأن أرواح أهل الشقاء لا تلج في السماء ولا تفتح لهم أبوابها ثم رأى في الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام وهما الممتحنان باليهود أما عيسى عليه السلام فكذبته اليهود وآذته وهموا بقتله فرفعه الله وأما يحيى عليه السلام فقتلوه ورسول الله عليه السلام بعد انتقاله إلى المدينة صار في حالة ثانية من الامتحان وكانت محنته فيها باليهود آذوه وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله كما نجى عيسى منهم ثم سموه في الشاة فلم تزل تلك الأكلة تعاوده حتى قطعت أبهره كما قال عند الموت.
وفي المثنوي :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
ون سفيها نراست اين كرا وكيا
لازم آمد يقتلون الأنبيا
ومما يؤثر عن سعيد ابن المسيب رحمه الله الدنيا بذلة تميل إلى الإبذال ومن استغنى بالله افتقر إليه الناس وأما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء الثالثة فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حالة يوسف عليه السلام وذلك أن يوسف ظفر بإخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانيهم فصفح عنهم وقال : لا تثريب عليكم اليوم الآية وكذلك نبينا عليه السلام أسر يوم بدر جملة من أقاربه الذين أخرجوه فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل فمنهم من أطلق ومنهم من فداه ثم ظهر عليهم بعد ذلك عام الفتح فجمعهم فقال لهم : أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم ثم لقاؤه لادريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المكان الذي سماه الله مكاناً علياً وإدريس أول من آتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك مؤذناً بحالة رابعة وهو علو شأن عليه السلام حتى أخاف الملوك وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب النبي عليه السلام ورأى ما رأى من خوف هرقل كسبحل وزبرج لقد أمر ابن أبي كبشة حين أصبح يخافه ملك ابن أبي الأصفر وكتب عليه بالقلم إلى جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه على دينه كالنجاشي بالتخفيف وملك عمان ومنهم من هادنه وأهدى إليه وأتحفه كهرقل والمقوقس سلطان مصر ومنهم من تعصى عليه فأظفره الله به فهذا مقام علي وخط بالقلم جلي نحوما أوتي إدريس ولقاؤه في السماء السادسة لموسى عليه السلام يؤذن
٢٣٠


الصفحة التالية
Icon