تضرب صدرها فقال لها السادن : مناة دونك بعض عصاتك فضربها سعد فقتلها وهدم محلها انتهى.
ووصف مناة بالثالثة تأكيداً لأنها لما عطفت عليهما علم أنها ثالثتهما والأخرى صفة ذم لها وهي المتأخرة الوضيعة المقدار أي مناة الحقيرة الذليلة لأن الأخرى تستعمل في الضعفاء كقوله تعالى : قالت أخراهم لأولاهم أي ضعفاؤهم لرؤسائهم قال ابن الشيخ : الأخرى تأنيث الآخر بفتح الخاء وهو في الأصل من التأخر في الوجود نقل في الاستعمالل إلى المغايرة مع الاشتراك مع موصوفه فيما أثبت له ولا يصح حمل الأخرى في الآية على هذا المعنى العرفي إذ لا مشاركة لمناة في كونها مناة ثالثة حتى توصف بالأخرى احترازاً عنها فلذلك حمل على المعنى المذكور انتهى وقد جوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى فتكون مناة من التأخر الرتبي يعني أن العزى شجرة وهي لكونها من أقسام النبات أشرف من مناة التي هي صخرة وجماد فهي متأخرة عنها رتبة ويقال أن المشركين أرادوا أن يجعلوا لآلهتهم من الأسماء الحسنى فأرادوا أن يسمعوا واحداً منها الله فجرى على ألسنتهم اللات وأرادوا أن يسموا واحداً منها العزيز فجرى على ألسنتهم العزى وأرادوا أن يسموا واحداً منها المنان فجرى على ألسنتهم المناة وقال الراغب : أصل اللات اللاه فحذفوا منها الهاء وأدخلوا التاء فيه فأنثوه تنبيهاً على قصوره عن الله وجعلوه مختصاً بما يتقرب به إلى الله في زعمهم وقال السهيلي : أصل هذا الاسم أي اللات لرجل كان يلت السويق للحجاج بسمن وأقط إذا قدموا وكانت العرب تعظم ذلك الرجل بإطعامه في كل موسم فلما مات اتخذ مقعده الذي كان يلت فيه السويق منسكاً ثم سنح الأمر بهم إلا أن عبدوا تلك الصخرة التي كان يقعد عليها ومثلوها صنماً وسموها اللات أعني ملت السويق ذكر ذلك كثير ممن ألف في الاخبار والتفسير انتهى وهذا على قراءة من يشدد اللات أي التاء منه وقد قرأته أي بالتشديد ابن عباس وعكرمة وجماعة كما في القاموس ثم إنهم كانوا مع ما ذكر من عبادتهم لها يقولون : إن الملائكة وتلك الأصنام بنات الله فقيل لهم توبيخاً وتبكيتاً : أفرأيتم والهمزة للإنكار والفاء لتوجيهه إلى ترتيب الرؤية على ما ذكر من شؤون الله المنافية لها غاية المنافاة وهي قلبية ومفعولها الثاني محذوف لدلالة الحال عليه فالمعنى أعقيب ما سمعتم من آثار كمار عظمة الله في ملكه وملكوته وجلاله وجبروته وأحكام قدرته ونفاذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما رأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها بنات له تعالى قال بعضهم : كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله وهذه الأصنام استوطنها جنيات هي بناته تعالى أو هذه الأصنام هياكل الملائكة التي هن بناته تعالى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
وفي التأويلات النجمية يخاطب عبدة الأصنام صنم لات النفس وصنم عزى الهوى ومناة الدنيا الدنية الخسيسة الحقيرة الواقعة في أدنى المراتب لخسة وضعها ودناءة قدرها ويستفهم منهم إنكاراً لهم ورداً عليهم أخبروني عن حال آلهتكم التي اتخذتموها معبودات وتمكنتم على عبوديتها هل وجدتم فيها صفة من صفات الإلهية من الإيجاد والإعدام والنفع والضر وأمثالها لا والله بل اتخذتموها آلهة لغاية ظلوميتكم على أنفسكم ونهاية جهوليتكم بالإله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن
٢٣٣
له كفؤاً أحد.
قال المغربي رحمه الله :
بود وجود مغربي لات ومنات أوبود
نيست بتى و بود او درهمه سو منات تو
﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الانثَى﴾ توبيخ مبني على التوبيخ الأول والمعنى بالفارسية آيا شمارا فرزندان نرباشند ومرخدايرا ماده ﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى القسمة المنفهمة من الجملة الاستفهامية ﴿أَذِنَ﴾ آنهنكام كه نين باشد ﴿قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ أي جائزة معوجة حيث جعلتم له تعالى ما تستنكفون منه وهي فعلي من الضيز وهو الجور يعني أن أصله ضيزى بضم الضاد من ضاز في الحكم يضيز ضيزاً أي جار وضازه حقه يضيزه أي بخسه ونقصه لكن كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل في البيض فإن أصله بيض بضم الباء لأنه جمع أبيض كحمر في جمع أحمر وذلك لأن فعلي بالكسر لم يأت في الوصف وفيه إشارة إلى استنكار شركهم وتخصيصهم الشرك ببعض الظاهر دون بعض يعني أتخصصون ذكر الروح لكم وإن كان ميتاً باستيلاء ظلمة نفوسكم الظلمانية عليه وتجعلون أنثى النفس في عبوديتها واتباع مراداتها وانقياد أوامرها ونواهيها شركاً له تعالى الله عما يقول الظالمون الذين وضعوا الجور موضع العدل وبالعكس ما هذا إلا قسمة الجور والجائر لا قسمة العدل والعادل ﴿إِنْ هِىَ﴾ الضمير للأصنام أي ما الأصنام باعتبار الألوهية التي تدعونها أي باعتبار إطلاق اسم الإله ﴿إِلا أَسْمَآءٌ﴾ أي أسماء محضة ليس تحتها مسميات أي ما تنبىء هي عنه من معنى الألوهية شيء ما أصلاً كما إذا أردت أن تحقر من هو ملقب بما يشعر بالمدح وفخامة الشان تقول ما هو الاسم.
قال المولى الجامي :
مرد جاهل جاه كيتى را لقب دولت نهد