أن يشفعون له ﴿وَيَرْضَى﴾ ويراه أهلاً للشفاعة من أهل التوحيد والإيمان وأما من عداهم من أهل الكفر والطغيان فهم من إذن الله بمعزل من الشفاعة بألف منزل فإذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فما ظنهم بحال الأصنام وفي الآية إشارة إلى أن ملك الروح يشفع في حق النفس الأمارة بالسوء رجاء الانسلاخ عن أوصافها الذميمة والترقي إلى مقام الفناء والبقاء ولكن لا تنفع شفاعته في حقها لعلمه القديم الأزلي بعدم استعدادها للترقي من مقامها اللهم إلا أن تقبل شفاعته في حق نفس رقيق الحجاب مستعد لقبول الفيض الإلهي لصفاء فطرته الأولى وبقاء قابليته الكبرى للترقي في المقامات العلية بالخروج من موافقة الطبع ومخالفة الشرع والدخول في موافقة الشريعة ومخالفة الطبيعة ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ﴾ وبما فيها من العقاب على ما يتعاطونه من الكفر والمعاصي ﴿لَيُسَمُّونَ الملائكة﴾ المنزهين عن سمات النقصان على الإطلاق أي كل يسمون كل واحد منهم ﴿تَسْمِيَةَ الانثَى﴾ منصوب على أنه صفة مصدر محذوف أي تسمية مثل تسمية الأنثى فإن قولهم الملائكة بنات الله قول منهم بأن كلاً منهم بنته سبحانه وهي التسمية بالأنثى فاللام في الملائكة للتعريف الاستغراقي وفي تعليقها بعدم الإيمان بالآخرة إشعار بأنها في الشناعة والفظاعة واستتباع العقوبة في الآخرة بحيث لا يجتري عليها إلا من لا يؤمن بها رأساً قال ابن الشيخ فإن قيل كيف يصح أن يقال أنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوب الميت على قبره ويعتقدون أنه يحشر عليه أجيب بأنهما ما كانوا يجزمون به بل كانوا يقولون : لا نحشر فإن كان فلنا شفعاء بدليل ما حكى الله عنهم وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى وأيضاً ما كانوا يعترفون بالآخرة على وجه الذي
٢٣٧
ورد به الرسل فهم لا يؤمنون بها على وجهها.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
واعلم أن الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث وفي الحديث جبرائيل أتاني في أول ما أوحي إلى فعلمني الوضوء والصلاة فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه أي رش بها فرجه أي محل الفرج من الإنسان بناء على أنه لا فرج له وكون الملك لا فلاج له لو تصور بصورة الإنسان دليل على أنه ليس ذكراً ولا أنثى وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون له آلة ليست كآلة الذكر وكآلة الأنثى كما قيل بذلك في الخنثى ويقال لذلك فرج وبعضهم حمل الفرج على ما يقابل الفرج من الإزار ﴿وَمَا لَهُم بِه مِنْ عِلْمٍ﴾ حال من فاعل يسمون أي يسمونهم والحال أنه لا علم لهم بما يقولون أصلاً ﴿إِن يَتَّبِعُونَ﴾ أي ما يتبعون في ذلك ليس بتكرار لأن الأول متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة والثاني بعبادتهم الملائكة ﴿إِنَّ الظَّنَّ﴾ الفاسد ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ﴾ أي جنس الظن كما يلوح به الإظهار في موقع الإضمار ﴿لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـاًا﴾ من الإغناء فإن الحق الذي هو عبارة عن حقيقة الشيء لا يدرك إدراكاً معتبراً إلا بالعلم والظن لا اعتداد به في شأن المعارف الحقية وإٌّما يعتد به في العمليات وما يؤدي إليها كمسائل علم أصول الفقه وفيه ذم للظن ودلالة على عدم إيمان المقلد وقيل : الحق بمعنى العلم أي لا يقوم الظن مقام العلم وقيل الحق بمعنى العذاب أي إن ظنهم لا ينقذهم من العذاب وحقيقة هذه الآية العزيزة تحريض السالكين والطالبين على السعي والاجتهاد في السير إلى الله بقطع المنازل السفلية وتصحيح المقامات العلوية إلى أن يصلوا إلى عين الجمع ويغرقوا في بحر التوحيد ويشهدوا الحائق والمعاني المجردة بنور الوحدة الحقيقة الذاتية الدافعة ظلمة الكثرة النسبية لأسماء الله تعالى ثم إن الافراد يتفاوتون في حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذي لا نقص فيه لأنهم إنما يشهدون في حقائقهم ولو شهدوا في عين الذات لتساووا في الفضيلة قال بعض الكبار : أصحاب الكشف الخيالي غلطهم أكثر من إصابتهم لأن الخيال واسع والذي يظهر فيه يحتمل التأويلات المختلفة فلا يقع القطع بما يحصل منه إلا بعلم آخر وراء ذلك وإنما كان الخيال بهذا الحكم لكونه ليست له حقيقة ونفسه بل هو أمر برزخي بين حقيقتين وهما المعاني المجردة والمحسوسات فلهذا يقع الغلط في الخيال لكونه ليست له حقيقة في نفسه وانظر إلى إشارته عليه السلام في الكشف الخيالي وكونه يقبل الإصابة والغلط لما أتاه جبرائيل بصورة عائشة رضي الله عنها في سرفة من حرير وقال له : هذه زوجتك فقال عليه السلام : إن يكن من عند الله يمضه بحلاف ما لو أتاه ذلك بطريق الوحي المعهود المحسوس له أو بطريق المعاني المجردة الموجبة لليقين وللعلم فإنه إذا لا يمكنه الجواب بمثل ذلك الجواب الذي يشعر بالتردد المحتمل الذي يقتضيه حضرة الخيال بحقيقتها :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را