جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
آب اندر زير كشتى شتى است
ونكه مال وملك را ازدل براند
زان سليمان خويش جر مسكين نخواند
قال بعض الكبار : من ذم الدنيا فقد عق أمه لأن جميع الإنكاد والشرور التي ينسبها الناس إلى الدنيا ليس هو فعلها وإنما هو فعل أولادها لأن الشر فعل المكلف لا فعل الدنيا فهي مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر فهي تحب أن لا يشقى أحد من أولادها لأنها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الأخرى على غير أهبة مع كونها ما ولدتهم ولا تعبث في تربيتهم فمن عقوق أولادها كونهم ينسبون جميع أفعال الخير إلى الآخرة ويقولون : أعمال الآخرة والحال أنهم ما عملوا تلك الأعمال إلا في الدنيا فللدنيا أجر المصيبة التي في أولادها ومن أولادها فما أنصف من ذمها بل هو جاهل بحق أمه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة أجهل انتهى.
واعلم أن الإرادة والنية واحد وهو قصد قلبي ينبعث إلى قلب الإنسان بالبعث الإلهي فهذا البعث الإلهي إن كان بالفجور على ما قال تعالى فألهمها فجورها وتقواها فهو من اسم المضل وقبضة الجلال ويد القهر وسادنه هو الشيطان وإن كان بالتقوء فهو من اسم الهادي وقبضة الجمال ويد اللطف وسادنه هو الملك والأول من عالم العدل والثاني من عالم الفضل وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ثم إن نية الإنسان لا تخلو إما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيء نية وعملاً وإما أن يكون متعلقها في لسانه هو الآخرة وفي جنانه هو الدنيا فهو إسوة ني وعملاً وإما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملاً وإما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو وجه الله فهو أحسن نية وعملاً فالأول حال الكفار والثاني حال المنافقين والثالث حال الأبرار والرابع حال المقربين وقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى أحوال المقربين عبارة وإلى أحوال غيرهم إشارة في قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً والمقربون قد فروا إلى الله من جميع ما في أرض الوجود ولم يلتفتوا إلى شيء سوى وجهه الكريم ولم يريدوا أمن المولى غير
٢٤٠
المولى فكانوا أحسن نية وعملاً هذا صراط مستقيم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾ تعليل للأمر بالإعراض وتكرير قوله وهو أعلم لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من أصر عليه ولم يرجع إلى الهدى أصلاً وبمن اهتدى من من شأنه الاهتداء في الجملة أي هو المبالغ في العلم بمن لا يرعوي عن الضلال أبداً وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره فلا تتعب نفسك في دعوتهم فإنه من القبيل الأول وفيه إشارة إلى النفس الكافرة ويهود صفاتها فإنهم لا يقبلون الدعوة لانتفاء استعدادهم لقبولها فمن كان مظهر القهر في الأزل لا يكون مظهر اللطف في الأبد وبالعكس وفي الحديث القدسي :"خلقت الجنة وخلقت لها أهلاً وخلقت الناس وخلقت لها أهلاً فطوبى لمن جعلته أهلاً للجنة وويل لمن جعلته أهلاً للنار" قال بعض الكبار : النفس لا تفعل الشر إلا لجاجة من القرين واللجاج ممن لا قدرة على منعه ومخالفته بمنزل الإكراه والمكره غير مؤاخذ بالشرع والعقل ولذا قال عليه السلام : الخير عادة والشر لجاجة فهو بشارة عظيمة من العالم بالأمور عليه السلام فإنه أخبر أن النفس خيرة بالذات لأن أباها الروح القدسي الطاهر وما نقبل الشر إلا لجاجة من القرين فلم يجعل عليه السلام الشر من ذاتها
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
﴿وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ أي خلقاً وملكاً لا لغيره أصلاً لا استقلالاً ولا اشتراكاً ﴿لِيَجْزِىَ﴾ الخ متعلق بما دل عليه أعلم الخ وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله فإن كون الكل مخلوقاً له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم ألا يعلم من خلق كأنه قيل فيعلم ضلال من ضل واهتداء من اهتدى ويحفظهما ليجزى ﴿الَّذِينَ أساءوا﴾ بد كردند ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ أي بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالإساءة بياناً لحاله أو بسبب ما عملوا شبه نتيجة علمه بكل واحد من الفريقين وهي مجازاته على حسب حاله بعلته الغائبة فأدخل لام العلة عليها وصح بذلك تعلقها بقوله اعلم :
هين مراقب باش كرد بايدت
كزى هرفعل يزى زايدت
﴿وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ أي اهتدوا ﴿بِالْحُسْنَى﴾ أي بالمثوبة الحسنى التي هي الجنة فالحسنى للزيادة المطلقة والباء لتعدية الجزاء أو بسبب أعمالهم الحسنى فالباء للسببية والمقابلة ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائرَ الاثْمِ﴾ صفة للذين أحسنوا أو بدل منه لكن قال سعدي المفتي : لا حسن في جعل الذين الخ مقصوداً بالنسبة وجعل الذين أحسنوا في حكم المتروك ولو كان النظم على العكس لكان لها وجه انتهى.


الصفحة التالية
Icon