جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
يقول الفقير : الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة وهي أقدم فلذا جعلت مقصودة بالنسبة وصيغة الاستقبال في صلته دون صلة الموصوف أو المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره يعني للإشعار بأن ترك المعصية سوء كانت بارتكاب المحرمات أو بترك الواجبات ينبغي أن يستمر عليه المؤمن ويجعل الاجتناب عنها دأباً له وعادة حتى يستحق المثوبة الحسنى فإن من اجتنب عنها مرة وانهمك عليها في باقي الأزمان لا يستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها فإن من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها وكبائر
٢٤١
الإثم ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنى مطلقاً خصوصاً بحليلة جاره وقتل النفس مطلقاً لا سيما الأولاد وهي الموؤودة وقال ابن جبير : هي ما لا يستغفر منه لقوله عليه السلام : لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وفي الحديث : إياكم والمحقرات من الذنوب قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي إلى سبعين أقرب وتمام التفصيل سبق في حمعسق في نظر الآية ﴿وَالْفَوَاحِشَ﴾ وما فحش من الكبائر خصوصاً الزنى والقتل بغير حق وغيرهما فهو من قبيل التخصيص بعد التعميم قال الراغب : الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال ﴿إِلا اللَّمَمَ﴾ اللمم مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة من قولك الممت بكذا أي نزلت به وقاربته من غير مواقعة وألم الغلام قارب البلوغ والاستثناء منقطع لأن المراد باللمم الصغائر وهي لا تدخل في الكبائر والمعنى إلا ما قل وصغر فإنه مغفور ممن يجتنب الكبائر يعني أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر قال تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات وقال : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقيل : هي النظر بلا تعمد فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو مذنب والغمزة والقبلة كما روى أن نبهان التمار أتته امرأة لتشتري التمر فقال لها : ادخلي الحانوت فعانقها وقبلها فقالت المرأة : خنت أخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب إلى رسول الله عليه السلام فنزلت وقيل : هي الخطرة من الذنب أي ما خطره من الذنب على القلب بلا عزم.
وازقوت بفعل نيايد.
وقيل : كل ذنب لم يذكر الله عليه حداً ولا عذاباً وقال بعضهم : اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ولا يكون له عادة ولا إقامة عليه قال محمد بن الحنفية : كل ما هممت به من خير وشر فهو لمم دليله قوله عليه السلام : إن للشيطان وللملك لمة فلمة الشيطان الوسوسة ولمة الملك الإلهام وقال ابن عباس رضي الله عنهما معناه إلا أن يلمم بالفاحشة مرة ثم يتوب ولم يثبت عليها فإن الله يقبل توبته ويؤيده قوله عليه السلام أن تغفر اللهم فاغفر جما واي عبد لك لا الماً فالاستثناء على هذا متصل وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما نقله أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه السلام : إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى فزنى العينين النظر وزنى الشفتين القبلة وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشي والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه فإن تقدم فرجه كان زانياً وإلا فهو اللمم وفي الأسئلة المقحمة الذنوب كلها كبائر على الحقيقة لأن الكل تتضمن مخالفة أمر الله تعالى لكن بعضها أكبر من بعض عند الإضافة ولا كبيرة أعظم من الشرك وأما اللمم فهو من جملة الكبائر والفواحش أيضاً إلا أن الله تعالى أراد باللمم الفاحشة التي يتوب عنها مرتكبها ومجترحها وهو قول مجاهد والحسن وجماعة من الصحابة منهم أبو هريرة رضي الله عنه
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على أن إخراجه من حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب في نفسه بل لسعة المغفرة الربانية.
وفي التأويلات النجمية : كبائر الإثم ثلاث مراتب : محبة النفس الأمارة بالسوء ومحبة لهوى النافخ في نيران
٢٤٢


الصفحة التالية
Icon