النفس ومحبة الدنيا التي هي رأس كل خطيئة ولكل واحدة من هذه المحبات الثلاث فاحشة لازمة غير منفكة عنها أما فاحشة محبة النفس الأمارة بالسوء فموافقة الطبيعة ومخالفة الشريعة وأما فاحشة محبة الهوى فحب الدنيا وشهواتها وأما فاحشة محبة الدنيا فالإعراض عن الله والإقبال على ما سواه قوله إلا اللمم أي الميل اليسير إلى النفس والهوى والدنيا بحسب الضرورة البشرية من استراحة البدن ونيل قليل من حظوظ الدنيا بحسب الحقوق لا بحسب الحظوظ فإن مباشر الحقوق مغفور ومبادر الحظوظ مغرور كما قال : إن ربك واسع المغفرة ومن سعة غفرانه ستر ظلمة الوجود المجازي بنور الوجود الحقيقي بالفناء عن ناسوتيته والبقاء بلا هويته انتهى.
قال بعض الكبار : من استرقه الكون بحكم مشروع كالسعي في مصالح العباد والشكر لأحد من المخلوقين من جهة نعمة أسداها إليه فهو لم يبرح عن عبوديتهتعالى لأنه في أداء واجب أوجبه الحق عليه وأما تعبد العبد فمخلوق عن أمر الله لا يقدح في العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسي ليس للحق فيه رائحة أمر فإن ذلك يقدح في عبوديتهتعالى ويجب عليه الرجوع إلى الحق تعالى وقال بعض العارفين : من المحال أن يأتي مؤمن معصية توعد الله عليها بالعقوبة فيفزع منها إلا ويجد في نفسه الندم على وقوعها منه وقد قال صلى الله عليه وسلّم الندم توبة وقد قام بهذا المؤمن الندم فهو تائب بلا شك فسقط حكم الوعيد لهذا الندم فإنه لا بد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها فهو من كونه كارهاً لها ومؤمناً بأنها معصية ذو عمل صالح وهو من كونه فاعلاً لها ذو عمل سيء فهو من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وقد قال تعالى فيهم عسى الله أن يتوب عليهم يعني ليتوبا والله غفور رحيم انتهى فعلى العاقل أن يندم على المعاصي الواقعة منه ولا يغتر بالرب الكريم وإن كان الله واسع المغفرة فإنه تعالى أيضاً شديد البطش والأخذ نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ﴿هُوَ﴾ تعالى ﴿أَعْلَمُ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
منكم ﴿بِكُمْ﴾ أي بأحوالكم يعلمها ﴿إِذْ أَنشَأَكُم﴾ أي خلقكم في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام ﴿مِّنَ الأرْضِ﴾ إنشاء إجمالياً ﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ﴾ ووقت كونكم أجنة ﴿فِى بُطُونِ أُمَّهَـاتِكُمْ﴾ على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التي من جملتها اللمم الذي لولا المغفرة الواسطة لأصابكم وباله وضروره والأجنة جمع جننين مثل أسرة وسرير والجنين الولد ما دام في البطن وهو فعيل بمعنى مفعول أي مدفون مستتر والجنين الدفين في الشيء المستتر فيه من جنه إذا ستره وإذا خرج من بطن أمه لا يسمى إلا ولداً أو سقطاً وفي الأشباه هو جنين ما دام في بطن أمه فإذا انفصل ذكراً فصبي ويسمى رجلاً كما في آية الميراث إلى البلوغ فغلام إلى تسعة عشر فشاب إلى أربعة وثلاثين فكهل إلى أحد وخمسين فشيخ إلى آخر عمره هذا في اللغة وفي الشرع يسمى غلاماً إلى البلوغ وبعده شاباً وفتى إلى ثلاثين فكهل إلى خمسين فشيخ وتمامه في إيمان البزازية فإن قيل الجنين إذا كان إسماً له ما دام في البطن فما فائدة قوله تعالى في بطون أمهاتكم قلنا فائدته المبالغة في بيان كمال علمه وقدرته فإن بطون الأمهات في غاية الظلمة ومن علم حال الجنين فيها لا يخفى عليه
٢٤٣
شيء من أحواله ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾ الفاء لترتيب الهي عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم أي إذا كان الأمر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة من المعصية بالكلية أو بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته وبالفارسية س ستايش مكنيد نفسهاى خودرا به بى كناهى وبسيارى خير وخوبى اوصاف.
وقال الحسن رحمه الله : علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزككوا أنفسكم ولا تطهروها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الأعمال لأن كل واحد من التخلية والتحلية إنما يعتد به إذا كان خالصاًتعالى وإذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأي حاجة إلى التزكية :
همان به كر آبستن كوهرى
كه همون صدف سر بخود در برى
اكر مسك خالص ندارى مكوى
وكرهست خود فاش كردد ببوى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
منه آب زر جان من برشيز
كه صراف دانا نكيرد بيز