وأما من زكاه الغير ومدحه فقد ورد فيه (احثوا في وجه المداحين) أي الذين يمدحون بما ليس في الممدوح ﴿التُّرَابِ﴾ على حقيقته أو هو مجاز عن ردهم عن المدح لئلا يغتر الممدوح فيتجبر وقيل : المراد به أن لا يعطوهم شيئاً لمدحهم أو معناه الأمر بدفع المال إليهم لينقطع لسانهم ولا يشتغلوا بالهجو وفيه إشارة إلى أن المال حقير في الواقع كالتراب قال ابو الليث في تفسيره : المدح على ثلاثة أوجه : الأول أن يمدحه في وجهه فهو الذي نهى عنه والثاني أن يمدحه بغير حضرة ويعلم أنه يبلغه فهذا أيضاً ينهى عنه ومدح يمدحه في حال غيبته وهو لا يبالي بلغه أو لم يبلغه ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا انتهى.
وفي المثنوي :
خلق ما در صورت خود كرد حق
وصف ما از وصف او كيرد سبق
ونكه آن خلاق شكر وحمد جوست
آدمي را مدح جويى نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست ست
رشود زان باد ون خيك درست
ورنه باشد اهل زان باد دروغ
خيك بدريدست كى كيرد فروغ
وأما المدح بعد الموت فلا بأس به إذا لم يجاوز الحد كالروافض في مدح أهل البيت ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ المعاصي جميعاً وهو استئناف مقرر للنهي ومشعر تأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل : كان ناس يعملون أعمالاً حسنة ثم يقولون : صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا إذا كان بطريق الإعجاب أو الرياء فأما من اعتقد أن ما عمله من الأعمال الصالحة من الله تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فإن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
وفي التأويلات النجمية يشير به إلى أن علم الإنسان بنفسه علم إجمالي وعلمه تعالى به تفصيلي والعلم التفصيلي أكمل وأشمل من العلم الإجمالي وأيضاً علم الإنسان بنفسه علم مقيد بقواه البشرية وهو متناه بحسب تناهي قواه البشرية وعلمه تعالى به علم مطلق إذ علمه عين ذاته في مقام الواحدية غير ذاته في مقام الواحدية والعلم المطلق أحوط وأجمع من العلم المقيد وأيضاً الإنسان مخلوق على صورة الله كما قال عليه السلام : إن الله خلق آدم على صورته وفي رواية أخرى على صورة
٢٤٤
الرحمن والله تعالى عالم بصورته المنزهة عن الشكل المقدسة عن الهيئة والإنسان غير عالم بها على كيفية علم الله إذ لا يعلم الله إلا الله كما قال وما قدروا الله حق قدره اللهم إلا أن يفنى عن علمه المقيد ويبقى بعلمه المطلق هذا هو تحقيق أعلمية الحق تعالى وقوله وهو أعلم بمن اتقى أي بمن اتقى بالله عما سواء بحيث جعل الله تعالى وقاية نفسه لينسب كل ما يصدر عنه من العلم والعمل إليه فإنه هو المؤثر في الوجود ومنه كل فيض وفضل وخير وجود ﴿أَفَرَءَيْتَ الَّذِى تَوَلَّى﴾ أي أعرض عن اتباع الحق والثبات عليه وبالفارسية آيا ديدى آن كسى راكه از برىء حق روى بكردانيد ﴿وَأَعْطَى قَلِيلا﴾ أي شيئاً قليلاً من ماله وأعطاه قليلاً وبالفارسية وبداداندكى ازمال خود براى رشوت تحمل عذاب ازو ﴿وَأَكْدَى﴾ أي قطع عطيته وأمسك بخلاً من قولهم أكدى الحافر أي حافر البئر إذا بلغ الكدية أي الصلابة كالصخرة فلا يمكنه أن يحفر ثم استعمل في كل من طلب شيئاً فلم يصل إليه ولم يتممه ولم يبلغ آخره وفي القاموس أكدى بخل أو قل خيره أو قلل عطاءه وفي تاج المصادر قوله تعالى : واكدى أي قطع القليل قالوا : نزلت في الوليد بن المغيرة كان يتبع رسول الله عليه السلام يعني درى حضرت رسالت ميرفت واستماع كلام وى ميكند در مجلس او.
وطمع النبي عليه السلام في إسلامه فعيره بعض المشركين وعاتبه وقال له : تركت دين الأشياخ وضللتم فقال : أخشى عذاب الله فضمن أن يتحمل عنه العذاب وكل شيء يخافه في الآخرة إن أعطاه بعض ماله فارتد وتولى عن الوعظ واستماع الكلام النبوي وأعطاه بعض المشروط وبخل بالباقي فالذم آيل إلى سبب القطع وهو البخل فلا يتوهم أن الآية مسوقة لذم فعل المتولي وقطع العطاء عن المتحمل المذكور ليس بمذموم.
وقال الكاشفي : واكدى وبازداشت باقى را س جهل وبخل بايكديكر جمع كرد.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨


الصفحة التالية
Icon