يقول الفقير : الظاهر أن الآية مسوقة لذم التولي وسوء الاعتقاد في نفع التحمل يوم القيامة كما دلت عليه الآية الآتية وقوله : وأعطى قليلاً وأكدى مجرد بيان الحال المتولى والمعطى فيما جرى بينه وبين المتحمل لاذم لبخله في ذلك لكن لا يخلو عن التهكم حيث أنه بخل فيما اعتقد نفعه وقال مقاتل : انفق الوليد على أصحاب محمد عليه السلام نفقة قليلة ثم انتهى عن ذلك انتهى ولا يخفى أنه ليس لهذا المعنى ارتباط بما بعد من الآيات وفيه إشارة إلى السالك المنقطع في أثناء السلوك الراجع من السير إلى الله إلى نفسه البشرية واستيفاء لذاتها الحيوانية بسبب سآمته المشؤومة من المجاهدات البدنية والرياضات النفسانية بعد أن صرف في طريق السير والسلوك فلساً من رأس مالك عمره ثم بخل به وقطعه عن الصرف في طريق السعي والاجتهاد في الله وصرف بقية رأس مال عمره في تحصيل لذات النفس الحيوانية البشرية واستفاء شهواتها وحب الدنيا الدنية الخسيسة وهذا كله لعدم استعداده للوصول والوصال نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن النكرة بعد المعرفة :
اندرين ره مى تراش ومى خراش
تادم آخر دمى فارغ مباني
﴿أَعِندَهُ﴾ آيا نزديك اوست ﴿عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى﴾ الفاء للسببية والرؤية قلبية أي أعنده علم بالأمور الغيبية التي من جملتها تحمل صاحبه عنه يوم القيامة فهو يعلم أن صاحبه
٢٤٥
يتحمل عنه قال ابن الشيخ : أرأت بمعنى أخبرت وأعنده علم الغيب مفعوله الثاني أي أخبرت أن هذا المعطى المكدي هل عنده علم ما غاب عنه من أحوال الآخرة فهو يعلم أن صاحبه يتحمل أوزاره على أن قوله يرى بمعنى يعلم حذف مفعولاه لدلالة المقام عليهما ﴿أَمْ﴾ أهو جاهل ﴿لَمْ يُنَبَّأْ﴾ لم يخبر ﴿بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى﴾ أي أسفار التوراة قال الراغب : الصحيفة المبسوطة من كل شيء كصحيفة الوجه والصحيفة التي كان يكتب فيها وجمعها صحائف وصحف والمصحف ما جعل جامعاً للصحف المكتوبة وقال القهستاتي : المصحف مثلث الميم ما جمع فيه قرآن والصحف ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى﴾ عطف على موسى أي وبما في صحف ابراهيم الذي وفي أي وفر وأتم ما ابتلى به من الكلمات كما مر في سورة البقرة أو أمر به من غير إخلال وإهمال يقال : أوفاه حقه ووفاه بمعنى أي أعطاه تاماً وافياً ويجوز أن يكون التشديد فيه للتكثير والمبالغة في الوفاء بما عاهد الله أي بالغ في الوفاء بما عاهد الله وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمل غيره بالصبر على نار نمرود حتى أنه أتاه جبريل حين ألقى في النار فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وعلى ذبح الولد وعلى الهجرة وعلى ترك أهله وولده في واد غير ذي زرع ويروى أنه كان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً فإن وجده أكرمه وإلا نوى الصوم ونعم ما قيل وفى ببذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للإخوان وعن النبي عليه السلام وفي عمل كل يوم بأربع ركعات وهي صلاة الضحى وفي الحديث القدسي :(ابن آدم أركع إلى أربع ركعات من أرول النهار أكفك آخره) وروى إلا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى كان يقول : إذا أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى يختم الآيتين ذكره أحمد في مسنده الآيات الثلاث في عين المعاني وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله كم من كتاب أنمل الله؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب أنزل الله على آدم عشر صحائف وعلى شيت خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قلت : يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال : كانت أمثالاً منها أيها الملك المبتلي المغرور إني لم أبعثك فتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك كيلا ترد دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كان من كافر وكان فيها أمثال منها وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه ويفكر في صنع الله وساعة يحاسب نفسه فيما قدم وأخر وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلول في المطعم والمشرب وغيرهما وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه ويأتي ما نقل من صحف موسى في آخر سورة سبح اسم ربك الأعلى كذا في فتح الرحمن وتقديم موسى لما أن صحفه التي هي التوراة أشهر عندهم وأكثر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
يقول الفقير : وأيضاً هو من باب الترقي من الأقرب إلى الأبعد لكون الأقرب أعرف وأيضاً أن موسى صاحب كتاب حقيقة بخلاف إبراهيم ﴿أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أصله أن لا تزر على أن أن هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن هو
٢٤٦


الصفحة التالية
Icon