المنبئة عن عظمة شأن المخبر جل جلاله وعز سلطانه ما لا يخفى وحذف المفعول للقصد إلى نفس الفعل والإيذان بأن مناط التبشير نفس الفتح الصادر عنه سبحانه لا خصوصية المفتوح قال الإمام الراغب إنا فتحنا لك يقال عنى فتح مكة ويقال بل عنى ما فتح على النبي عليه السلام من العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقام المحمود التي صارت سبباً لغفران ذنوبه انتهى وسيجيء غير هذا ﴿فَتْحًا مُّبِينًا﴾ أي بينا ظاهر الأمر مكشوف الحال أو فارقاً بين الحق والباطل وقال بعضهم المراد بالفتح المبين هو الصلح مع قريش في غزوة الحديبية وهي كدوهية وقد تشدد بئر قرب مكة حرسها الله تعالى أو شجرة حدباء كانت هنالك كما في القاموس سمى المكان باسمها وسببها أنه صلى الله عليه وسلّم رأى في المنام أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين أي بعضهم محلق وبعضهم مقصر وإنه دخل البيت وأخذ مفتاحه وطاف هو وأصحابه واعتمر وأخبر بذلك أصحابه فلرحوا ثم أخبر أصحابه أنه يريد الخروج للعمرة فتجهزوا للسفر وخرج عليه السلام بعد أن اغتسل ببيته ولبس ثوبين وركب راحلته القصوى من عند بابه ومعه ألف وأربعمائة من المسلمين على الصحيح وأبطأ عليه كثير من أهل البوادي خشية قريش وساق عليه السلام معه العدى سبعين بدنة وكان خروجه يوم الاثنين غرة ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة فلما وصل إلى ذي الحليفة وهو ميقات المدنيين صلى بالمسجد الذي ركعتين وأحرم بالعمرة وأحرم معه غالب أصحابه ومنهم من لم يحرم إلا من الجحفة وهو ميقات أهل الشام وإنما خرج معتمراً ليأمن أهل مكة ومن حولها من حربه وليعلموا أنه عليه السلام إنما خرج زائر للبيت فلما كان الأصحاب في بعض المحال أقبلوا نحوه عليه السلام وكان بين يديه ركوة يتوضأ منها فقال : مالكم فقالوا : يا رسول الله ليس عندنا ماء نشرب ولا ماء نتوضأ منه إلا في ركوتك فوضع رسول الله يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه الشريفة أمثال العيون فشربوا وتوضأوا حتى قال جابر رضي الله عنه : لو كنا مائة ألف فكفانا وهو أَجب من نبع الماء لموسى عليه السلام من الحجر فءن نبعه من الحجر متعارف معهود وأما من بين اللحم والدم فلم يعهد وإنما لم يخرجه عليه السلام بغير ملامسة ماء تأدباً مع الله لأنه المنفرد بإبداع المعدومات من غير أصل وأرسل عليه السلام بشر بن سفيان إلى مكة عيناً له فلما كانوا بعسفان جاء وقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بخروجك فلبسوا جلود النمر أي أظهروا العداوة والحقد واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش وهي قبيلة عظيمة من العرب ومعهم زادهم ونساؤهم وأولادهم ليكون ادعى لعدم الفرار وقد نزلوا بذي طوى وهو موضع بمكة مثلث الطاء ويصرف كما في القاموس يعاهدون الله أن لا ندخلها عليهم عنوة أبداً فقال عليه السلام : أشيروا علي أيها الناس أتريدون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه وقال المقداد : يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى عليه السلام : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فقال عليه السلام فامضوا على اسم الله فساروا ثم قال : هل من رجل يخرجنا عن طريق إلى غير طريقهم التي هم بها؟ فقال رجل من أسلم وهو ناجية بن جندب :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢


الصفحة التالية
Icon