أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقاً وعراً ثم أفضوا إلى أرض سهلة ثم أمر رسول الله أن يسلكوا طريقاً يخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلكوا ذلك الطريق فلما نزلوا بالحديبية نزح ماؤها حتى لم يبق فيها قطرة ماء فاشتكى الناس إلى رسول الله العطش وكان الحر شديداً فأخرج عليه السلام سهماً من كنانته ودفعه إلى البراء بن عازب وأمره أن يغرزه في جوف البئر أو تمضمض رسول الله ثم مجه في البئر فجاش الماء ثم امتلأت البئر فشربوا جميعاً ورويت إبلهم وفي التفاسير ولم ينفد ماؤها بعد وفي "إنسان العيون" : فلما ارتحلوا من الحديبية أخذ البراء السهم فجف الماء كان لم يكن هناك شيء فلما اطمأن رسول الله بالحديبية أتاه بديل بن ورقاء وكان سيد قومه فسأله ما الذي جاء به فأخبره أنه لم يأت يريد حرباً إنما جاء زائراً للبيت فلما رجع إلى بريش لم يستمعوا وأرسلوا الحليس بن علقمة وكان سيد الأحابيش فلم يعتمدوا عليه أيضاً وأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي عظيم الطائف ومتمول العرب ولما قام عروة بالخبر من عنده عليه السلام وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يغسل يديه إلا ابتدروا وضوءه أي كادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه أي يدلك به من وقع في يده وجهه وجلده ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ولا يجدون النظر إليه تعظيماً له فقال : يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه أخاف أن لا تنصروا عليه فقالت له قريش : لا تتكلم بهذا يا أبا يعفور ولكن نرده عامنا هذا ونرجع من قابل فقال : ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة ثم انصرف هو ومن معه إلى الطائف وأسلم بعد ذلك ودعا عليه السلام خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش وحمله عليه السلام علي بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقر وأجمل رسول الله وأرادوا قتل خراش فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله وأخبره بما لقى ثم دعا رسول الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي وما بمكة من نبي عدي ابن كعب أحد بمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان رضي الله عنه فإن بني عمه يمنعونه فدعا عليه السلام عثمان فبعثه إلى أشراف قريش يخبرهم بالخبر وأمر عليه السلام عثمان أن يأتي رجالاً مسلمين بمكة ونساء مسلمات ويدخل عليهم ويخبرهم أن الله قرب أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة ومعه عشرة رجال من الصحابة بإذن رسول الله ليزوروا أهاليهم هناك فلقي عثمان قبل أن يدخل مكة أبان بن سعيد فأجازه حتى يبلغ رسالة رسول الله وجعله بين يديه فأتى عظماء قريش فبلغهم الرسالة وهم يرددون عليه أن محمداً لا يدخل علينا أبداً فلما فرغ عثمان من تبليغ الرسالة قالوا له : إن شئت فطف بالبيت فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله وكانت قريش قد احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام فبلغ رسول الله أن عثمان قد قتل وكذا من معه من العشرة فقال عليه السلام لا نبرح حتى نناجز القوم أي نقاتلهم فأمره الله بالبيعة فنادى مناديه أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢
فأخرجوا على اسم الله فثاروا إلى رسول الله وهو تحت شجرة من أشجار السمر بضم الميم شجر معروف فبايعوه على عدم الفرار وإنه إما الفتح وإما الشهادة وبايع عليه السلام عن عثمان أي : على تقدير عدم صحة القوم بقتله فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال : اللهم إن هذه عن عثمان فإنه في حاجتك وحاجة رسولك وسيجيء معنى المبايعة وقيل لها بيعة الرضوان لأن الله تعالى رضي عنهم وقال عليه السلام :"لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة وقال أيضاً : لا يدخل النار من شهد بدراً والحديبية" وأول من بايع سنان ابن أبي سنان الأسدي فقال للنبي عليه السلام : أبايعك على ما في نفسك؟ قال : وما في نفسير قال : اضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل وصار الناس يقولون : نبايعك على ما بايعك عليه سنان.


الصفحة التالية
Icon