ـ وروي ـ أن بعض النساء توفيت فرأتها في المنام امرأة كانت تعرفها وإذا عندها تحت السرير آنية من نور مغطاة فسألتها ما في هذه الأوعية فقالت : فيها هدية أهداها إلى أبو أولادي البارحة فلما استيقظت المرأة ذكرت ذلك لزوج الميتة فقال : قرأت البارحة شيئاً من القرآن وأهديته إليها وفي الحديث إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له قال القرطبي : القراءة في معنى الدعاء وذلك صدقة من الولد ومن الصاحب والصديق والمؤمنين قال ابن الملك في شرح الحديث :"إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله" أي تجدد الثواب له "إلا من ثلاث صدقة جارية" كالأوقاف "أو علم ينتفع به" قيل هو الأحكام المستنبطة من النصوص والظاهر أنه عام متناول ما خلفه من تصنيف أو تعليم في العلوم الشرعية وما يحتاج إليه في تعلمها قيد العلم بالمنتفع به لأن ما لا ينتفع به لا يثمر أجراً "أو ولد صالح يدعو له" قيد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره وأما الوزر فلا يلتحق بالأب من سيئة ولده إذا كانت نيته في تحصيل الخير وإنما ذكر الدعاء له تحريضاً للولد لأن الأجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل عملاً صالحاً سواء دعا لأبيه أو لا كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء دعا له من أكلها أو لم يدع وكذلك الأم قال بعض الكبار : النكاح سنة نبيك فلا ترغب عنه واطلب من الله من يقوم مقامك بعد موتك حتى لا ينقطع عملك بموتك فإن ابن آدم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم بثه في الناس أو ولد صالح يدعو له وفي لفظ الصدقة الجارية إشارة إلى أفضلية الماء ولذا حفر سعد بئراً لأمه فإن قلت ما التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وقوله عليه السلام : من مات يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة قلنا : السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به ومعنى حديث المرابط أن ثواب عمله الذي قدمه في حياته ينمو إلى يوم القيامة وأما الثلاثة المذكورة في الحديث فإنها أعمال تحدث بعد وفاته لا تنقطع عنه لأنه سبب لها فيلحقه منها ثواب والحاصل أن المراد بهذا الحديث عمله المضاف إلى نفسه فهو منقطع وأما العمل المضاف إلى غيره فلا ينقطع فللغير أن يجعل ما له من أجر عمله إلى من أراد وقال بعضهم في الآية : ليس كل عمل للإنسان إنما بعضه الله مثل الصوم كما قال : الصوم لي وأنا أجزي به فثوابه فضل الله وهو رؤيته وتمسك بعض العلماء بهذا الحديث وظن أن الصيام مختص بعامله موفر له أجره لا يؤخذ منه شيء لمظلمة ظلمها وهذا القول مردود فإن الحقوق تؤخذ من جميع الأعمال صياماً كان أو غيره وقيل : إن الصوم إذا لم يكن معلوماً لأحد ولا مكتوباً في الصحف هو الذي يستره الله ويخبأه لعامله حتى يكون له جنة من العذاب فتطرح أولئك عليه سيئاته فتنصرف
٢٥١
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
عنهم ويقيه الصوم فلا تضر باصحابها لزوالها عنهم ولا به لان الصوم جنته وهذا تاويل حسن دافع للتعرض قال البقلي رحمه الله في تأويل الآية ليس للصورة الانسانية الا ما سعت من الاعمال الزكية عن الرياء والسمعة يؤول ثوابها اليها من درجات الجنان اما يتعلق بفضل الله وجوده من مشاهدته وقربته فهو للروح والروحاني الذي في تلك الصورة فانه إذا استوفى درجات الجنان التي هي جزآء اعماله الصالحة تمتع ايضا بما يجد روحه من فضل الله المتعلق بكشف حجاب جماله وايضا ليس للانسان الا ما يليق بالانسان من الاعمال واما الفصل كالمشاهدة والقربة فهو الله يؤتيه من يشاء فاذا وصل الى مشاهدة الله وتمتع بها فليس ذلك له انما ذلك الله وان كان متمتعا به وقال ابن عطاء ليس للانسان من سعيه الا ما نواه ان كان سعيه لرضى الرحمن فان الله يرزقه الرضوان وان كان سعيه للثواب والعطاء والاعواض فله ذلك وقال النصر ابادي سعى الانسان في طريق السلوك لا في طريق التحقيق فاذا تحقق يسعى ولا يسعى هو بنفسه واما قول العارف الجامي :
*سالكان بي كشش دوست بجايي نرسند*
*سالها كره درين راه تك وبوى كنند*