فقد لا ينافيه فانه لا فائدة في السعي بدون الجذبة الالهية فالسعي منسوب الى السالك والجذبة مضافة الى الله تعالى واما المنهى فالسعي والجذبة بالنسبة اليه كلاهما من الله تعالى اذ ليس بمتحقق من لم يكن حركاته وسكناته بالله ثم ان الطريق قد يثنى كطريق الحج من البر والبحر واما طريق الحق فمفرد اي من حيث الجمعية الواحدانية والا فالطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق فعند النهاية يحصل الالتقاء ولذا قال تعالى وان الى ربك المنهى مع انه فرق بين وصول ووصول كالناظرين كل ينظر بحسب قوة نور بصره وضعفه وان كان المرئي واحدا ثم ان الله يوصل السالك بعد موته الى محل همته لانه كانه حاصل بسعيه وقد مر تحقيقه في محله نسأل الله الوصول الى غاية المطالب بحرمة اسمه الواهب ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ﴾ اى سعى الانسان وهو عمله كما فى قوله تعالى ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ وهو مع خبره معطوف على ما قبله من الأتزر الخ على معنى ان المذكورات كلها فى الصحف ﴿سَوْفَ يُرَى﴾ اى يعرض عليه ويكشف له يوم القيامة فى صحيفته وميزانه من أريته الشىء عرضته عليه وفى اشارة الى ان الانسان له مراتب فى السعى وبحسب كل مرتبة يجد سعيه فى الحال لايزيد ولا ينقص وايضا فى المآل واول مراتبه فى السعى مرتبة النفس وسعيه فى هذه المرتبة تزكية النفس عن المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية بالموافقات الشرعية والمخالفات الطبيعية اذ العلاج بضدها واثر هذا السعى ونتيجته حصول الجنات التى تجرى من تحتها الانهار والحور والقصور والغلمان كما اخبر الكتاب العزيز فى غير موضع والمرتبة الثانية والسعى فيها تصفية القلب عن صدأ الظلمات البشرية وغطاء الدورات الطبيعية واثر هذا السعى ونتيجته ترك حب الدجنيا وشهواتها ولذاتها وزخارفها ومالها وجاهها والمرتبة الثالثة والسعرى فيها تجلية السر بالصفات اللالهية والاخلاق الربانية واثر هذا السعى ونتيجته حصول شواهد التجليات الصفاتية والاسمائية والمرتبة الرابعة والسعى فيها تجلية الروح بالتجليات
٢٥٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
الذاتية والمشاهدات الحقانية وأثر هذا السعي ونتيجته هو الفناء عن أنانيته والبقاء بهويته الأحدية المطلقة عن التقييد والإطلاق واللاتقييد واللاإطلاق وقال الواسطي في الآية : إنه لم يكن مما يستجلب به شيء من الثواب وقال سهل : سوف يرى سعيه فيعلم أنه لا يصلح للحق ويعلم ما الذي يستحق بسعيه وأنه لو لم يلحقه فضل ربه لهلك بسعيه ﴿ثُمَّ يُجْزَاـاهُ﴾ أي يجزي الإنسان بعسيه أي جزاء عمله يقال جزاه الله بعمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل ﴿الْجَزَآءَ الاوْفَى﴾ أي الأوفر الأتم إن خيراً فخير وإن شراً فشر وهو مفعول مطلق مبين للنوع قالل الوراق : وإن ليس للإنسان إلا ما سعى ذلك في بدايته وإن سعيه سوف يرى ذلك في توسط أموره ثم يجزاه الجزاء إلا وفى ذلك في نهاياته وله نهايتان باعتبار الفناء والبقاء ففي الفناء يحصل الجزاء الذي هو الشهود وفي البقاء يحصل الجزاء الذي هو تربية الجسد والوجود وذلك باستيفاء ما ترك في بداية سلوكه من المباحات المشروعة من الأكل والشكر والملبس والمنكح والتوسعة في معايش الدنيا وأسبابها فبعد تحققه بعالم الوحدة يرد إلى عالم الكثرة ولكن لا تضره الكثرة إذا أصلا ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ مصدر بمعنى الانتهاء أي انتهاء الخلق في رجوعهم إلى الله تعالى بعد الموت لا إلى غيره لاستقلالاً ولا اشتراكاً فيجازيهم بأعمالهم وفي الحقيقة انتهء الخلق إليه تعالى في البداية والنهاية ألا إلى الله تصير الأمور إذ لا إله إلا هو.
وفي المثنوي :
دست بر بالاى دست اين تاكجا
تا بيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بى غور وكران
جمله درياها و سبلى يش آن
حيلها وارها كر ادهاست
يش إلا الله إنها جمله لاست
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨


الصفحة التالية
Icon