قال ابن عطاء : من كان منه مبدأه كان إليه منتهاه وإذا وصل العبد إلى معرفة الربوبية ينحرف عنه كل فتنة ولا يكون له مشيئة غير اختيار الله له قيل للحسين ما التوحيد قال أن تعتقد أنه معلل الكل لقوله هو الأول وعند ذلك تطلب المعلولات منه الابتداء وإليه الانتهاء ذهبت المعلولات وبقي المعلل بها قال بعض الكبار : من أدل دليل على توحيد الله تعالى عند من لا كشف عنده كونه تعالى عند النظار والفلاسفة علة العلل وهذا توحيد ذاتي ينتفي معه الشريك بلا شك غير أن إطلاق هذا اللفظ عليه تعالى لم يرد به الشرع فلا ندعوه به ولا نطلقه عليه فاعلم ذلك ﴿وَأَنَّهُ﴾ تعالى ﴿هُوَ﴾ وحده ﴿أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ الضحك انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك والبكاء بالمد سيلان الدمع عن حزن وعويل يقال : إذا كان الصوت أغلب كالرغاء وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب وقوله فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً إشارة إلى الفرح والترح وإن لم يكن مع الضحك قهقهة ولا مع البكاء والإنسان لا يعلم ما تلك القوة أو هما كنايتان عن السرور والحزن كأنه قيل : افرح واحزن لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء أو عما يسر
٢٥٣
ويحزن وهو الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة أو اضحك في الدنيا أهل النعمة وأبكى أهل الشدة والمصيبة أو اضحك في الجنة أهلها وأبكى في النار أهلها واضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر أو الأشحار بالأنوار والسحاب بالأمطار أو القراطيس بالأرقام والأقلام بالمداد أو اضحك القرد وأبكى البعير أو أضحك بالوعد وأبكى بالوعيد أو أضحك المطيع بالرضى وأبكى العاصي بالسخط أو أضحك قلوب العارفين بالحكمة وأبكى عيونهم بالحزن والحرقة أو أضحك قلوب أوليائه بأنوار معرفته وأبكى قلوب أعدائه بظلمات سخطه أو أضحك المستأنسين بنرجس مودته وياسمين قربته وطيب شمال جماله وأبكى المشتاقين بظهور عظمته وجلاله أو أضحك بالإقبال على الحق وأبكى بالإدبار عنه أو أضحك الأسنان وأبكى الجنان أو بالعكس قال الشاعر :
السن تضحك والأحشاء تحترق
وإنما ضحكها زور ومختلق
يا رب باك بعين لا دموع لها
ورب ضاحك سن ما به رمق
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
أو أضحك بتجليه اللطفي الجمالي القلب المنور بنور اللطف والجمال وأبكى بتجليه القهري الجلالي النفس المظلمة بظلنة القهر والجلال وأضحك بتجليه الجلالي النفس على القلب عند استيلاء ظلمة النفس على القلب وأبكى بتجليه الجمالي القلب على النفس عند غلبة أنوار القلب على النفس وفي الآية دلالة على أن كل ما يعمله الإنسان فبقضائه وخلقه حتى الضحك والبكاء قالت عائشة رضي الله عنها : مر النبي عليه السلام على قوم يضحكون فقال : لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال : إن الله تعالى يقول : وإنه هو أضحك وأبكى فرجع إليهم فقال : ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال : ائت هؤلاء فقل لهم : إن الله يقول : هو أضحك وأبكى وسئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة؟ فقال : ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم وقال النبي عليه السلام لجبرائيل : مالي لم أر ميكائيل ضاحكاً قط؟ قال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار وقيل لعمر رضي الله عنه : هل كان أصحاب رسول الله عليه السلام يضحكون؟ قال : نعم والله والإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي وعن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة رضي الله عنه : أكنت تجالس النبي عليه السلام؟ قال : نعم وكان أصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعني النبي عليه السلام ولقي يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى في وجه يحيى فقال : مالي أراك لاهياً كأنك آمن فقال : مالي أراك عابساً كأنك آيس فقالا : لا نبرح حتى ينزل علينا الوحي فأوحى الله تعالى أحبكما إلى أحسنكما ظناً بي.
ـ روي ـ أحبكما إلى الطلق البسام وقال الحسن يا ابن آدم تضحك ولعل كفنك خرج من عند القصار وبكي نوح عليه السلام ثلاثمائة سنة بقوله : إن ابني من أهلي وقال كعب لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل ذهب والنافع بكاء القلب لا العين فقط.
بران ازدوسر شمه ديده جوى
ور الايشى دارى ازخود بشوى
﴿وَأَنَّه هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره لا خلقاً ولا كسباً فإن أثر
٢٥٤