﴿وَأَنَّه أَهْلَكَ عَادًا الاولَى﴾ هي قوم هود عليه السلام أهلكوا بريح صرصر وعاد الأخرى ارم وقيل الأولى القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكاً بعد قوم نوح أي المراد إبعاد جميع من انتسب إلى عاد بن ارم بن عوص بن سام بن نوح ووصفهم بالأولية ليس للاحتراز عن عاد الأخيرة بل لتقدم هلاكهم بحسب الزمان على هلاك سائر الأمم بعد قوم نوح قال في التكملة وصف عاد بالأولى يدل على أن لها ثانية فالأولى هي عاد بن ارم قوم هود والثانية من ولدها وهي التي قاتلها موسى عليه السلام باريحاء كانوا تناسلوا من الهزيلة بنت معاوية وهي التي تجن من قوم عاد مع بنيها الأربعة عمر وعمرو وعامر والعتيد وكانت الهزيلة من العماليق ﴿وَثَمُودَا﴾ عطف على عادا لأن ما بعده لا يعمل فيه لمنع ما النافية عن العمل وهم قوم صالح عليه السلام أهلكم الله بالصيحة ﴿فَمَآ أَبْقَى﴾ أي أحداً من الفريقين ويجوز أن يكون المعنى فما أبقى عليهما فالإبقاء على هذا المعنى الترحم وهو بالفارسية بخشودن وإنما لم يترحم عليهم لكونهم من أهل الغضب ورحمة الله لأهل اللطف دون القهر وفيه إشارة إلى التربية فأولاً باللطف وثانياً بالعتاب وثالثاً بالعقاب فإن لم يحصل التنبه فبالإزالة والإهلاك وهكذا عادة الله في خلقه فليتنبه العباد وليحافظوا على المراتب في تربة عبيدهم وإمائهم وخدمهم مطلقاً ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ عطف عليه أيضاً ﴿مِّن قَبْلُ﴾ أي من قبل إهلاك عاد وثمود ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي قوم
٢٥٧
نوح ﴿كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ﴾ لنبيهم ﴿وَأَطْغَى﴾ من الفريقين حيث كانوا يؤذونه وينفرون الناس عنه وكانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه وكانوا يضربونه عليه السلام حتى لا يكون به حراك وما أثرت فيهم دعوته قريباً من ألف سنة وما آمن معه إلا قليل :
باسيه دل ه سود كفتن وعظ
نرود مبخ آهنين در سنك
وفيه إشارة إلى إهلاك صفات القلب من قبل أن يتمكن في سفينة التوحيد فإنهم كانوا مذبذبين منقلبين بين القلب وبين النفس ظالمين على القلب بمشاهدة الكثرة طاغين عليه بالميل إلى النفس وصفاتها ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ﴾ هي قرى قوم لوط عليه السلام يعني شهرستان قوم لوط عليه السلام.
ائتفكت بأهلها أي انقلبت بهم وهو منصوب عطفاً على عادا أي وأهلك المؤتفكة وقيل هو منصوب بقوله :﴿أَهْوَى﴾ أي أسقطها إلى الأرض مقلوبة بعد أن رفعها على جناح جبريل إلى السماء فالأهواء بمعنى انداختن.
وقال الزجاج القاها في الهاوية ﴿فَغَشَّـاـاهَا مَا غَشَّى﴾ من فنون العذاب.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
وقال الكاشفي : س بوشانيد آن شهرها را آنه بوشانيد يعني سنكهاى نشان داده بران بارانيد.
وفيه من التهويل والتفظيع ما لا غاية وراءه قوله ما غشى مفعول ثان إن قلنا أن التضعيف للتعدية أي ألبس الله المؤتفكة ما ألبسها إياه من العذاب كالحجارة المنضودة المسومة فمفعولا الفعل الأول مذكوران والثاني محذوفان وإن قلنا إنه للمبالغة والتكثير فهو فاعل كقوله : فغشيهم من اليم ما غشيهم وفي الآية إشارة إلى قرية القالب وانقلابها من أعلى الكمال إلى أسفل النقصان ومن اعتدال المزاج إلى انحرافه وذلك سبب ظلم النفس الأمارة عليها باستيفاء الحظوظ والشهوات كما قال تعالى : وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها الآية ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ الآلاء النعم واحدها إلى والى والى كما في القاموس والتماري والامتراء والمماراة المحاجة فيما فيه مرية أي شك وتردد قال في تاج المصادر : التماري بشك شدن وبايكديكر بستيهبدن.
وإسناد فعل التماري إلى الواحد باعتبار تعدده بحسب تعدد متعلقه والخطاب للرسول عليه السلام فهو من باب الإلهاب والتعريض بالغير على طريقة قوله تعالى لئن اشركت ليحبطن عملك أو لكل واحد وجعل الأمور المعدودة آلاء مع أن بعضها نقم لما أنها أيضاً نعم من حيث أنها نصرة للأنبياء والمؤمنين وانتقام لهم وفيها عظات وعبر للمعتبرين قال في بحر العلوم وهلاك أعداء الله والنجاة من صحبتهم وشرهم والعصمة من مكرهم من أعظم آلائه الواصلة إلى المؤمنين قال المتنبي :
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
وقد أمر نوحاً بالحمد على ذلك في قوله فقل الحمدالذي نجانا من القوم الظالمين وقد حمد هو بنفسه على ذلك في موضع آخر تعليماً لعباده حيث قال فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدرب العالمين وقد سجد عليه السلام سجدة الشكر حين رأى رأس أبي جهل قد قطعت في غزوة بدر.
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٢٧ من صفحة ٢٥٨ حتى صفحة ٢٦٨
وفي التأويلات النجمية يشير إلى استحقاق الشكر الجزيل على آلائه التي عددها وسماها آلاء لاشتمالها على نعم المواعظ ونعم الزواجر واستبعاد الشك والمماراة فيها والخطاب لأفراد الأمة
٢٥٨


الصفحة التالية
Icon