وذكرهما بلفظ الماضي أي بعد يعرضوا ويقولوا بلفظ المستقبل للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة وفيه إشارة إلى المحجوبين المستغرقين في بحر الدنيا وشهواتها فإنهم إذا ظهر لهم خاطر رحماني بالإقبال على الله ومتابعة الرسول وترك حب الدنيا ورفع شهواتها يعرضوا عن هذا الخاطر الرحماني وينفوه ولا يلتفتوا إليه ولا يعتبروه بل يزدادوا فيما هم عليه من حب الدنيا ومتابعة النفس وموافقة الهوى ويرموه بالكذب وربما يرى بعضهم في منامه أنه لبس خرقة الفقراء من خارج ولكن تحتها قميص حرير فهذا يدل على أن تجرده ليس من باطنه فتجرده الظاهري وملاحظة الفناء القشري ليس بنافع له جداً ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ أي وكل أمر من الأمور مستقر أي منته إلى غاية يستقر عليها لا محالة من جملتها أمر النبي عليه السلام فسيصير ءلى غاية بتبين عندها حقيقته وعلو شأنه وإبهام المستقر عليه للتنبيه على كمال ظهور الحال وعدم الحاجة إلى التصريح به أو كل أمر من أمرهم وأمره عليه السلام مستقر أي سيثبت ويستقر على حالة خذلان أو نصرة في الدنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر يعني أن الاستقرار كناية عن ملزومه وهو الانتهاء إلى الغاية فإن عنده يتبين حقيقة كل شيء من الخير والشر والحق والباطل والهوى والحجة وينكشف جلية الحال ويضمحل الشبه والالتباس فإن الحقائق إنما تظهر عند العواقب فهذا وعيد للمشركين ووعد وبشارة للرسول والمؤمنين ونظيره لك لنبأ مستقر وسوف تعلمون أي كل نبأ وإن طالت مدته فلا بد أن ينتهي إلى غايته وتنكشف حقيقته من حق وباطل وفي عين المعاني وكل أمر وعدهم الله كائن في وقته أي لا يتغير شيء عن مراد الله ولا يغيره أحد دون الله فهو يمضيه على الخلق في وقته لأنه مستقر لا يزول وفيه إشارة إلى أن أمر محمد الروح وأمر أبي جهل النفس له نهاية وغاية يستقر فيها إما إلى السعادة الأبدية بواسطة التخلق بالأخلاق الإلهية وإما إلى الشقاوة السرمدية بسبب الإتصاف بالصفات البشرية الحيوانية ﴿وَلَقَدْ جَآءَهُم﴾ أي وبالله لقد جاء أهل مكة في القرآن ﴿مِّنَ الانابَآءِ﴾ جمع نبأ وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة أي أنباء القرون الخالية أو أنباء
٢٦٨
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢