الآخرة وما وصف من عذاب الكفار فاللام عوض عن المضاف إليه وهو حال مما بعده ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ أي ازدجار من تعذيب أن أريد بالأنباء أنباء القرون الخالية أو وعيد أريد بها أنباء الآخرة أو موضع ازدجار على أن في تجريدية والمعنى أنه في نفسه موضع ازدجار ومظنة له كقوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي هو في نفسه أسوة حسنة وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الدال والذال والزاي للتناسب في المخرج أو لتحصيل التناسب فإن التاء مهموسة وهذه الحروف مجهورة يعني أن أصله مزتجر لأنه مفتعل من الزجر قلبت التاء دالاً لأن الزاي حرف مجهور والتاء حرف مهموس والذال تناسب الزاي في الجهر وتناسب التاء في المخرج يقال زجره وازدجره أي نهاه عن السوء ووعظه غير أن افتعل أبلغ في المعنى من فعل قال الراغب الزجر طرد بصوت يقال زجرته فانزجر ثم يستعمل في الطرد تارة وفي الصوت تارة قولوه تعالى مزدجر أي طرد ومنع عن ارتكاب المأثم ﴿حِكْمَةُا بَـالِغَةٌ﴾ غايتها متناهية في كونها حكمة لا خلل فيها أو قد بلغت الغاية في الإنذار والنهي والموعظة وهو بدل من ما أو خبر لمحذوف وفي القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم والنبوة والقرآن وفي المفردات الحكمة إصابة الحق بالعلم والفعل فالحكمة من الله معرفة الأشياء أو إيجادها على غاية الأحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وإذا وصف القرآن بالحكيم فلتضمنه الحكمة وهي علمية وعملية والحكمة المنطوق بها هي العلوم الشرعية والطريقة والحكمة المسكوت عنها هي أسرار الحقيقة التي لا يطلع عليها علماء الرسوم والعوام على ما ينبغي فتضرهم أو تهلكهم ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ نفي للإغناء فمفعول تغني محذوف أي لم تغن النذر شيئاً أو استفهام إنكار فما منصوبة على أنها مفعول مقدم لتغني أي فأي إغناء تغني النذر إذا خالفوا أو كذبوا أي لا تنفع كقوله وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون جمع نذير بمعنى المنذر أو مصدر بمعنى الإنذار وفيه إشارة إلى عدم انتفاع النفوس المتمردة بإنذار منذر الروح وإنذار منذر القلب إذ الروح مظهر منذر القرآن والقلب مظهر منذر الحقيقة ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ لعلمك بأن الإنذار لا يؤثر فيهم البتة ولا ينفع فالفاء للسببية وبالفارسية س روى بكدران از ايشان تا وقت امر بقتال ومنتطر باش جزاى انشانرا ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ أصله يوم يدعو الداعي بالواو والياء لما حذف الواو من يدعو في التلفظ لاجتماع الساكنين حذفت في الخط أيضاً اتباعاً للفظ وأسقطت الياء من الداعي للاكتفاء بالكسرة تخفيفاً قال بعضهم : حذفت الياء من الداعي مبالغة في التخفيف إجراء لآل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف الياء مع التنوين كذلك مع ما عاقبه ويوم منصوب بيخرجون أو باذكر والداعي إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور قائماف على صخرة بيت المقدس ويدعو الأموات وينادي قائلاً أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء أو أن إسرافيل ينفخ وجبريل يدعو وينادي بذلك وعلى كلا القولين فالدعاء على حقيقته وقال بعضهم هو مجاز كالأمر في قوله تعالى : كن فيكون يعني أن الدعاء في البعث والإعادة مثل كن في التكوين والابتداء بأن لا يكون ثمة داع من
٢٦٩
إسرافيل أو غيره بل يكون الدعاء عبارة عن نفاذ مشيئته وعدم تخلف مراده عن إرادته كما لا يتخلف إجابة دعاء الداعي المطاع.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢


الصفحة التالية
Icon