يقول الفقير : الأولى بقاؤه على حقيقته لأن إسرافيل مظهر الحياة وبيده الصور والله تعالى ربط الأشياء بعضها ببعض وإن كان الكل بإرادته ومشيئته ﴿إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ﴾ بضمتين صفة على فعل وقرىء بسكون الكاف وكلاهما بمعنى المنكر أي منكر فظيع ينكره النفوس لعدم العهد بمثله وهو هول يوم القيامة ومنه منكر ونكير لفتاني القبر لأنه لم يعهد عند الميت مثلهما ﴿خُشَّعًا أَبْصَـارُهُمْ﴾ حال من فاعل ﴿يَخْرُجُونَ﴾ والتقديم لأن العالم فعل فعل متصرف أي يخرجون ﴿مِنَ الاجْدَاثِ﴾ جمع جدث محركة وهو القبر أي من قبورهم حال كونهم أذلة أبصارهم من شدة الهول خاضعة عند رؤية العذاب والخشوع ضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد ف يالقب كما روي إذا ضرع القلب خشعت الجوارح وخص الأبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو خوف ونحوه إنما يظهر في البصر ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ﴾ أي يشبهن الجراد وهو بالفارسية ملخ.
سمي بذلك لجرده الأورض من النبات يقال : أرض مجرودة أي أكل ما عليها حتى تجردت كما في المفردات ﴿مُّنتَشِرٌ﴾ في الكثرة والتموج والتفرق في الأقطار ومثله قوله كالفراش المبثوث ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ حال أيضاً أي مسرعين إلى جهة الداعي مادي أعناقهم إليه أو ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم يقال هطع الرجل إذا أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه وأهطع إذا مد عنقه وصوب رأسه وأهطع في عدوه إذا أسرع كما في الجوهري وفيه إشارة إلى ذلة أبصار النفوس وعلتها فأنهار مدت من حب الدنيا وانطفاء أبصار القلوب عن شواهد الحق وانطماس أبصار الأرواح عن شهود الحق وإلى أن هذه النفوس الرديئة تخرج من قبور صفاتها الرذيلة كالجراد الحريص على أكل زروع مزارع القلب من الأخلاق الروحانية منتشرين في مزارع الروح ومغارس القلب بالفساد والإفساد وترى هذه النفوس الخبيثة مسرعة إلى إجابة داعي الشهوات النفسانية واللذات الجسمانية راغبة في دعوته مقبلة على طلبه ﴿يَقُولُ الْكَـافِرُونَ﴾ استئناف وقع جواباً عما نشأ من وصف اليوم بالأهوال وأهله بسوء الحال كأنه قيل فماذا يكون حينئذ فقيل : يقول الكافرين :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿هَـاذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ أي صعب شديد علينا فمكثون بعد الخروج من القبور واقفين أربعين سنة يقولون : أرحنا من هذا ولو إلى النار ثم يؤمرون بالحساب وفي إسناد القول المذكور إلى الكفار تلويح بأن المؤمنين ليسوا في تلك المرتبة من الشدة بل ذلك اليوم يوم يسير لهم ببركة إيمانهم وأعمالهم بل المطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم أيضاً بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون في الذي هم عليه من الأمن لما هم والنبيون عليه من الخوف على أممهم يعني أن الأنبياء والرسل عليهم السلام يخافون على أممهم للشفقة التي جبلهم الله عليها للخلق فيقولون في ذلك اليوم سلم سلم وإن كان لا يحزنهم الفزع الأكبر لأنهم آمنون من خوف العاقبة وفيه إشارة إلى
٢٧٠