كفار النفوس اللئيمة يقولون بلسان الحال ولا ينفعهم المقال يوم قيامة اضطرابهم لما رأوا الفضيحة والقطعية هذا يوم عسر صعب خلاصنا ومناصنا منه لا نجاة لنا ولا منجاة إلا الاستمساك بعروة وثقى الروح والقلب وما يقدرون على ما يقولون لإفساد استعدادهم بيد الأماني الكاذبة واختيار تلك الأماني الفاسدة الدنيوية على المطالب الصالحة الأخريوي فعلى العاقل أن يختار الباقي على الفاني ولا يغتر بالأماني بل يجتهد قبل الموت بأسباب الخلاص والنجاة لكي يحصل له في الآخرة النعيم والدرجات وإلا فإذا خرج الوقت من اليد وبقيت اليد صفرا في الغد فلا ينفع الأسف والويل نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين أجابوا داعي الله ورسوله وتشرفوا بالعمل بالقرآن وقبوله وييسر لنا الفناء المعنوي قبل الفناء الصوري ويهيى لنا من أمرنا رشداً فإنا آمنا به ولم نشرك بربنا أحداً وهو المعين في الآخرة والأولى وبيده الأمور رداً وقبولاً ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ أي فعل التكذيب قبل قومك يا محمد قوم نوح أو كذبوا نوحاف فالمفعول محذوف وهو شروع في تعداد بعض الأنباء الموجبة للازدجار وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾ نوحاً تفسير لذلك التكذيب المبهم كما في قوله تعالى ونادى نوح ربه فقال رب الخ فالمكذب في المقامين واحد والفاء تفسيرية تفصيلية تعقيبية في الذكر فإن التفصيل يعقب الأجمال وفي ذكره بعنوان العبودية مع الإضافة إلى نون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله وزيادة تشنيع لمكذبيه فإن تكذيب عبد السلطان أشنع من تكذيب عبد غيره وفيه إشارة إلى أنه لا شيء أشرف من العبودية فإٌّ الذلة الحقيقية التي يقابلها مقام الربوبية مختصة بالله تعالى فكذا العبودية مختصة بالعبد وهي المرادة بالتواضع وهي غير التملق فإن التملق لا عبرة به وفي الحديث "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أي ليس الفخر لي بالرسالة وإنما الفخر لي بالعبودية وخصوصاً بالفقر الذي هو الخروج عن الوجود المجازي بالكلية
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿وَقَالُوا﴾ في حقه هو أو قالوا له إنك ﴿مَجْنُونٌ﴾ أي لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه الجنون واختلال العقل وهو مبالغة في التكذيب لأن من الكاذبين من يخبر بما يوافق العقل ويقبله والمجنون لا يقول ءلا ما لا يقبله العقل ويأباه ﴿وَازْدُجِرَ﴾ عطف على قالوا فهو من كلام الله أي وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية مثل الشتم والضرب والخنق والوعيد بالرجم قال الراغب : وازدجرا أي طرد واستعمال الزجر فيه لصياحهم بالمطرود نحو أن يقال أعزب عني وتنح ووراءك وقيل هو من جملة ما قالوه أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته أي أفسدته وتصرفت فيه وذهبت بلبه وطارت بقلبه وفيه إشارة إلى أن كل داع حق لا بد وأن يكذب لكثرة أهل البطلان وغلبة أهل البدع والأهواء والطغيان وذلك في كل عصر وزمان وأيضاً قوم نوح الروح وهم النفس الأمارة وصفاتها لا يقبلون دعوته إلى الله لانهماكهم في الشهوات واللذات وصعوبة الفطام عن المألوفات والله المعين في جميع الحالات والمقامات :
اين جهان شهوتي بتخانه ايست
انبيا وكافران را لأنه ايست
ليك شهوت بنده ا كان بود
زرنسوزد زانكه نقد كان بود
٢٧١
ذالة الأرواح من أشباحها
عزة الأشباح من أرواحها
كم نشين براسب توسن بي لكام
عقل ودين را يشوا كن والسلام
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢