يقول الفقير : لعل بقاء بعض خشبها لكونها آية وعبرة وإلا فهو ليس بأفضل من أخشاب منبر نبينا صلى الله عليه وسلّم في المدينة وقد احترقت أو أكلتها الأرضة فاتخذت مشطاً ونحوه مما يتبرك به ألا ترى أن مقام ابراهيم عليه السلام مع كونه حجراً صلداً لم يبق أثره بكثرة مسح الأيدي ثم لم يبق نفسه أيضاً على ما هو الأصح والمعروف بالمقام الآن هو مقام ذلك المقام فاعرف وفي عين المعاني ولقد تركناها أي الغرق العام وهو إضمار الآية قبل الذكر كقوله أنها تذكرة وقال بعضهم : يعني جنس السفينة صارت عبرة لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة واتخذوا السفن بعد ذلك في البحر فلذلك كانت آية للناس.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
يقول الفقير : كيف يعرفونها ولم يكن في الدنيا قبل الطوفان إلا البحر المحيط وذلك أن الله تعالى أمر الأرض بعد الطوفان فابتلغت ماءها وبقي ماء السماء لم تبتلعه الأرض فهذه البحور على وجه الأرض منها وأما البحر المحيط فغير ذلك بل هو جرز عن الأرض حين خلق الله الأرض من زبده وإليه الإشارة بقوله : وكان عرشه على الماء أي العذب والبحور سبعة : منها البحر المحيط وبعضهم لم يعد المحيط منها بل هو غير السبعة وكان نوح عليه السلام نجاراً فجاء جبريل وعلمه صنعة السفينة ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي معتبر بتلك الآية الحقيقة بالاعتبار فيخاف من الله ويترك المعصية وأصله مذتكر على وزن مفتعل من الذكر فأدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالاً مشددة ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ استفهام تعظيم وتعجيب أي كانا على كيفية هائلة لا يحيط بها الوصف والنذر جمع نذير بمعنى الإنذار أصله نذري بالياء حذفت اكتفاء بالكسرة وحد العذاب وجمع الإنذارات إشارة إلى غلبة الرحمة لأن الإنذار إشفاق ورحمة فقال : الإنذارات التي هي نعم ورحمة تواترت عليهم فلما لم تنفع وقعالعذاب وقعة واحدة فكانت النعم كثيرة والنقمة واحدة ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ﴾ الخ جملة قسمية
٢٧٣
وردت في أواخر القصص الأربع تنبيهاً على أن كل قصة منها مستقبلة بإيجاب الأدكار كافية في الازدجار ومع ذلك لم تقع واحدة في حيز الاعتبار أي وبالله لبد سهلنا القرآن لقومك بأن أنزلنا على لغتهم كما قال فإنما يسرناه بلسانك ورشحنا بأنواع المواعظ والعبر وصرفنا فيه من الوعيد والوعد ﴿لِلذِّكْرِ﴾ أي للتذكير والاتعاظ وعن الحسن عن النبي عليه السلام لولا قول الله ولقد يسرنا القرآن للذكر لما أطاقت الألسن أن تتكلم به ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ إنكار ونفي للمتعظ على أبلغ وجه وآكده حيث يدل على أنه لا يقدر أحد أن يجيب المستفهم بنعم وعن عليه السلام بن مسعود رضي الله عنه قال : قرأت على النبي عليه السلام فهل من مذكر بالذال فقال عليه السلام : فهل من مدكر بالدال قال في برهان القرآن قوله فكيف كان الخ ختم به قصة نوح وعاد وثمود ولوط لما في كل واحدة منها من التخويف والتحذير وما حل بهم فيتعظ به حافظ القرآن وتاليه ويعظ غيره.
وفي الآيات إشارة إلى مغلوبية نوح القلب في يد النفس الأمارة بغلبات الصفات البشرية عليه حتى دعا ربه فأجابه الله حتى غلبت صفاته الروحانية النورانية على صفاتها الحيوانية الظلمانية وأفاض من سماء الأرواح العلوية مياه الرأفة والرحمة والكرامة ومن أرض البشرية عيون المعارف والحقائق فأهلك قومه المعبر عنهم بالنفس وصفاتها ونجاه على سفينة صفاته الروحانية وفيه إشارة أخرى وهي أنه إذا زاد الكشف والعيان تستشرف الأرواح على الفناء فيدخلها الله في سفن الصعمة ويجريها بشمال العناية وأيضاً أن الأنبياء والأولياء سفن عنايته تعالى يتخلص العباد بهم من الاستغراق في بحار الضلالة وظلمات الشقاوة لأنهم محفوظون بحسن عنايته وعين كلاءته ومن استن بسنتهم نجا من الطغيان والنيران ودخل في جوار الرحمن وفي المثنوي :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
ايننين فرمود آن شاه رسل
كه منم كشتى درين درياى كل
يا كسى كودر بصيرتهاى من
شد خليفه راستى برجاى من
كشتى نوحيم در دريا كه تا
رونكردانى ز كشتى اي فتى