نسأل الله سبحانه أن يحفظنا في سفينة الشريعة من الاعتماد على العقل والخيال ويعصمنا من الزيغ والضلال ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ أي هوداً عليه السلام ولم يتعرض لكيفية تكذيبهم له روما للاختصار ومسارعة إلى بيان ما فيه الازدجار من العذاب ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ هو لتوجيه قلوب السامعين نحو الإصغاء إلى ما يلقى إلبيهم قبل ذكره لا لتهويله وتعظيمه وتعجيبهم من حاله بعد بيانه كما قبله وما بعده كأنه قيل كذبت عاد فهل سمعتهم أو فاسمعوا كيف كان عذابي وإنذاراتي لهم فالنذر جمع نذير بمعنى الإنذار ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ استئناف ببيان ما أجمل أولاً وصرصر من الصر وهو البرد أو من صر الباب والقلم أي صوت أي أرسلنا وسلطنا عليهم ريحاً باردة أو شديدة الصوت والهبوب وهي ريح الديور وتقدم تفصيله في فصلت وغيرها ﴿فِى يَوْمِ نَحْسٍ﴾ النحس ضد السعد أي شؤم ﴿مُّسْتَمِرٌّ﴾ صفة ليوم أو نحس أي مستمر شؤمه عليهم أو ابد الدهر
٢٧٤
فإن الناس يتشاءمون بأربعاء آخر الشهر قال ابن الشيخ واشتهر بين بعض الناس التشاؤم بالأربعاء الذي يكون في آخر الشهر بناء على قوله تعالى في يوم نحس مستمر ومعلوم أن ليس المراد أنه نحس على المصلحين بل على المفسدين حيث لم تظهر نحو سنته في حق الأنبياء والمؤنين وفي الروضة الأربعاء مشؤوم عندهم والذي لا يدور وهو آخر أربعاء في الشهر أشأم وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر قال الشاعر :
لقاؤك للمبكر قال سوء
ووجهك أربعاء لا يدور
وقيل يحمد في الأربعاء الاستحمام فإنه يقال يخلط في ذلك اليوم ماء من الجنة مع المياه وكذا يحمد ابتداء الأمور والمعنى مستمر عليهم شؤمه ونحو ستة أزمنة ممتدة إلى أن أهلكهم فاليوم بمعنى الحين وإلا فاليوم الواحد لا يمكن أن يستمر سبع ليال وثمانية أيام والاستمرار على هذين الوجهين يحسب الزمان أو المعنى شامل لجميعهم كبيرهم وصغيرهم فالمستمر بمعنى المطرد بالنسبة إلى الأشخاص أو مشتد مرارته أي بشاعته وكان ابتداؤه يوم الأربعاء آخر الشهر يعني كانت أيام العجوز من صبيحة أربعاء آخر الشهر إلى غروب الأربعاء الآخر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
ـ وروي ـ أنه كان آخر أيامهم الثمانية في العذاب يوم الأربعاء وكان سلخ صغر وهي الحسوم في سورة الحاقة ﴿تَنزِعُ النَّاسَ﴾ صفة لريحا أي ريحاً تقلعهم روي أنهم دخلوا الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح وصرعتهم موتى وقال مقاتل تنزع أآواحهم من أجسادهم وقال السهلي : دامت عليهم سبع ليال وثمانية أيام كيلا تنجو منهم أحد ممن في كهف أو سرب فأهلكت من كان ظاهراً بارزاً وانتزعت من البيوت من كان في البيوت أو هدمتها عليهم وأهلكت من كان في الكهوف والأسراب بالجوع والعطش ولذلك قال : فهل ترى لهم من باقية أي فهل يمكن أن يبقى بعد هذه الثمانية الأيام باقية منهم ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ حال من الناس والإعجاز جمع عجز وعجز الإنسان مؤخره وبه شبه مؤخر غيره ومنه العجز لأنه يؤدي إلى تأخر الأمور والنخل من الجنس الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء واللفظ مفرد لكنه كثيراً ما يسمى جمعاً نظراً إلى المعنى الجنسي والمنقعر المنقلع عن أصله يقال قعرت النخلة قلعتها من أصلها فانقعرت أي انقعلت وفي المفردات منقعر أي ذاهب في قعر الأرض وإنما أراد تعالى أن هؤلاء اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رسم ولا أثر انتهى والمعنى منقلع عن مغارسه قيل شبهوا بإعجاز النخل وهي أصولها بلا فروع لأن الريح كانت تقلع رؤوسهم فتبقى أجساداً وجثثاً بلا رؤوس وقال بعضهم : كانت الريح تقلعهم وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فيبين الرأس من الجسد وفيه إشارة إلى قوتهم وثباتهم في الأرض فكأنهم بحسب قوتهم وجسامتهم يجعلون أرجلهم غائرة نافزة فيالأرض ويقصدون به المقاومة على الريح ثم إن الرح لما صرعتهم فكأنها قلعت إعجاز نخل منقعر وقال أبو الليث صرعتهم وكبتهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من الأرض فشبههم لطولهم بالنخل الساقة قال مقاتل : كان طول كل واحد منهم
٢٧٥
اثني عشر ذراعاً وقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعاً فاستهزأوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا إلى الفضاء وضربوا بأرجلهم وغيبوا في الأرض إلى قريب من الركبة فقالوا : قالا للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما بالآخر بعدما ترفعهما في الهواء ثم تلقيهما في الأرض والباقون ينظرون إليهما حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوماً وتذكير صفة نخل للنظر إلى اللفظ كما أن تأنيثها في قوله إعجاز نخل خاوية للنظر إلى المعنى وكذا قوله جاءتها ريح عاصف ولسليمان الريح عاصفة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢