جهلاً منهم ﴿نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ تبكيت والالتفات للإيذان باقتضاء حالهم للإعراض عنهم وإسقاطهم عن رتبة الخطاب وحكاية قبائحهم لغيرهم يقال نصره من عدوه فانتصر أي منعه فامتنع أي بل أيقولون واثقين بشوكتهم نحن أولوا حزم ورأى أمرنا مجتمع لا نرام ولا نضام أو منتصر من الأعداء منتقم لا نغلب أو متناصر بنصر بعضنا بعضاً على أن يكون افتعل بمعنى تفعل كاختصم والأفراد في منتصر باعتبار لفظ الجميع قال أبو جعل وقد ركب يوم بدر فرساً كميتاً كان يعلفه كل يوم فرقاً من ذرة وقد حلف أنه يقتل محمداً صلى الله عليه وسلّم نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه فقتلوه يومئذ وجر رأسه إلى رسول الله ابن مسعود رضي الله عنه وفيه إشارة إلى كفار صفات النفس واختلاف أنواعها مثل البهيمية والسبعية والشيطانية والهوائية والحيوانية وتناصر بعضها بنصر بعض وتعاون بعض بمعاونة بعض ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ رد وإبطال لذلك والسين للتأكيد أي سيهزم جمع قريش البتة ﴿وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ أي الأدبار والتوحيد لإرادة الجنس يعني ينصرفون عن الحرب منهزمين وينصر الله رسوله والمؤمنين وقد كان كذلك يوم بدر قال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لما نزلت : سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدري أي جمع فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله عليه السلام يلبس الدرع ويقولو : سيهزم الجمع ويولون الدبر فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله عليه السلام لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر قال ابن عباس رضي الله عنهما كان بين نزول هذه الآية وبين يوم بدر سبع سنين فالآية على هذا مكية ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾ أي ليس هذا تمام عقوبتهم بل القيامة موعد أصل عذابهم وهذا من طلائعه ﴿وَالسَّاعَةُ﴾ إظهارها في موقع إضمارها التربية تهويلها ﴿أَدْهَى﴾ أعظم داهية
٢٨٢
وفي أقصى غاية من الفظاعة والداهية الأمر الفظيع لا يهتدى إلى الخلاص منه ﴿وَأَمَرُّ﴾ أشد مرارة وفي أقصى نهاية من المرارة وحاصله أن موقف القيامة أهول من موقف بدر وعذابها أشد وأعظم من عذابه لأن عذاب الدنيا مثل الأسر والقتل والهزيمة ونحوها أنموذج من عذاب الآخرة كما أن نارها جزء من سبعين جزء من نارها
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢


الصفحة التالية
Icon