﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي المشركين من الأولين والآخرين ﴿فِى ضَلَـالٍ وَسُعُرٍ﴾ أي في هلاك ونيران مسعرة والتسعير آتش نيك آفروختن وقيل في ضلال عن الحق في الدنيا ونيران في الآخرة ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ منصوب إما بما يفهم من قوله في ضلال أي كائنون في ضلال وسعر يوم يجرون ﴿فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ وإما بقوله مقدر بعده أي يوم يسحبون يقال لهم :﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ سقر علم لجهنم ولذلك لم يصرف وقيل اسم لطبقتها الخامسة من سقرته النار إذا بوخته أي غيرته والمس كاللمس وهو ءدراك بظاهر البشرة والمعنى قاسوا حرها وألمها فإن مسها سبب للتألم بها فمس سقر مجاز عن ألمها بعلاقة السببية وفي القاموس ذوقوا مس سقر أي أول ما ينالكم منها كقولك وجد مس الحمى انتهى وعن النبي صلى الله عليه وسلّم أول الناس يقضي فيه يوم القيامة رجل استشهد أتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال : ما عملت فيها؟ قال : قاتلت في سبيلك حتى استشهدت قال : كذبت إنما أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل فأمر به فسحب علي وجهه حتى ألقى في النار وجل تعلم العلم وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال : ما عملت فيها فقال : تعلمت العلم وقرأت القرآن وعملت قال : كذبت إنما أردت فلان عالم وفلان قارىء فقد قيل : فأمر به فسحب وجهه حتى ألقى في النار ورجل آتاه الله تعالى من أنواع المال فأتى به فعرفه نعمة فعرفها فقال : ما عملت فيها؟ قال : ما تركت من شيء يجب أن ينفق فيه لك قال : كذبت إنما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار وعن عطاء السلمي قال : خرجت يوماً مع أصحابي نستسقي فلقيني سعدون فقال : يا عطاء هل خرجتم بقلوب سماوية أو بقلوب أرضية قلت : بل بقلوب سماوية فقال : يا عطاء لا تتعوج فإن الناقد بصير فخجلت منه فلما دعونا ولم نمطر قلت له : ادع الله حتى يسقينا فرفع رأسه إلى السماء فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال : بحرمة ما كان بيني وبينك البارحة أن تسقينا فلم يفرغ من كلامه حتى مطرنا ثم بكى ورجع والكلام في تصحيح النية وتطهير القلب عن الغير والإخلاص تعالى ومن بقي في صفات نفسه وأعرض عن الحق وأقبل على الدنيا وشهواتها فهو يجر في نار جهنم البعد والطرد ويذوق حر نار الهجران والخذلان ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ﴾ من الأشياء وهو منصوب بفعل يفسره ما بعده ﴿خَلَقْنَـاهُ﴾ حال كون ذلك الشيء ملتبساً ﴿بِقَدَرٍ﴾ متعين اقتضته الحكمة التي عليها يدور أمر التكوين فقدر بمعنى التقدير وهو تسوية صورته وشكله وصفاته الظاهرة والباطنة على مقدار مخصوص اقتضته الحكمة وترتبت عليه المنفعة المنوطة بخلفه أو خلقناه مقدراً مكتوباً في اللوح قبل وقوعه لا يغير ولا يبدل.
مصرع :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
قضى الله أمراً وجف القلم
سر بر خط لوح ازلي دار وخموش
٢٨٣
كز هره قلم رفته قلم در نكشن
فالمراد بالقدر تقديره في علمه الأزلي وكتبه في اللوح المحفوظ وهو القدر المستعمل في جنب القضاء بالقضاء وجود جميع المخلوقات في اللوح المحفوظ مجتمعة والقدر وجودها في الأعيان بعد حصول شرائطها ولذا عبر بالخلق فإنه إنما يتعلق بالووجود الظاهري في الوقت المعين وفي الحديث "كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" وعنه عليه السلام :"كل شيء بقدر الله حتى العجز والكيس" وعنه عليه السلام :"لا يؤمن عبد حتى يأمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره" أي حلوه ومره قال في كشف الأسرار مذهب أهل سنت آنست كه نيكى وبدى هرند فعل بنده است وبنده بدان مثاب ومعاقب است اما بخواست الله است وبقضا وتقذير أو نانكه رب العزة كفت "قل كل من عند الله" وقال تعالى :"أنا كل شيء خلقناه بقدر" وقال عليه السلام : القدر خيره وشره من الله ففي الآية رد على القدرية والمعتزلة والخوارج.