وفي التأويلات النجمية خلقنا كل شيء أي موجود علمي وعيني في الأزل بمقدار معين مثل ما قال الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي كل شيء مخلوق على مقتضى استعداده الذاتي وقابليته الأصلية الأزلية لا زائد فيه ولا ناقص كما قال الغزالي رحمه الله ليس في الإمكان أبدع من هذا الوجود لأنه لو كان ولم يظهر لكان بخيلاً وهو جواد ولكان عاجزاً وهو قادر ﴿وَمَآ أَمْرُنَآ﴾ لشيء نريد تكوينه ﴿إِلا وَاحِدَةٌ﴾ أي كلمة واحدة لا تثنى سريعة التكوين وهو قوله تعالى : كن أو إلا فعلة واحدة وهو الإيجاد بلا معالجة ومعاناة ﴿كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ في اليسر والسرعة فإن اللمح النظر بالعجلة فمعنى كلمح كنظر سريع قال في القاموس لمح إليه كمنع اختلس النظر كألمح وفي المفردات اللمح لمعان البرق ورأيته لمحة برق قال ابن الشيخ لما اشتملت الآيات السابقة على وعيد كفار أهل مكة بالإهلاك عاجلاً وآجلاً والوعد للمؤمنين بالانتصار منهم جيىء بقوله : أنا كل شيء خلقناه بقدر تأكيداً للوعيد والوعد يعني أن هذا لوعيد والوعد حق وصدق والموعود مثبت في اللوح مقدر عند الله لا يزيد ولا ينقص وذلك على الله يسير لأن قضاءه في خلقه أسرع من لمح البصر وقيل : معنى الآية معنى قوله تعالى : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر قال بعض الكبار : ليس المراد بكلمة كن حرف الكاف والنون إنما المراد بها المعنى الذي به كان ظهور الأشياء فكن حجاب للمعنى لمن فهم وكل إنسان له في باطنه قوة كن وماله في ظاهره إلا المعتاد وفي الآخرة يكون حكم كن منه في الظاهر وقد يعطي الله ذلك لبعض الرجال في هذه الدار بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه تصرف بها في عدة مواطن : منها قوله في غزوة تبوك كن أباذر فكان أباذر ثم لا يخفى أنه لم يعط أحد من الملائكة وغيرهم حرف كن إنما هي خاصة بالإنسان لما انطوى عليه من الخلافة والنيابة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
وفي التأويلات النجمية وما أمر تجلينا للأشياء كلها علويها وسفليها ألا تجعل واحد أي واحداني الوصف لا كثرة فيه لكن يتكثر بحسب المتجلى له ويظهر فيه بحسبه ظهور الصورة
٢٨٤
الواحدة في المرائي المتكثرة يظهر في الكبير كبيراً وفي الصغير صغيراً وفي المستطيل مستطيلاف وفي مستدير مستديراً والصورة على حالتها المخلوقة عليها باقية لا تغير ولا تبدل بها كما يلمح الناظر ويرى في اللمحة الواحدة ما يحاذي بصره ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ﴾ أي أشباهكم في الكفر من الأمم جمع شيعة وهو من يتقوى به الإنسان وينشر عنه كما في المفردات وقال في القاموس : شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره والفرقة على حدة ويقع على الواحد والإثنين والجمع والمذكر والمؤنث ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ متعظ يتعظ بذلك فيخاف وفيه إشارة إلى أنا بقدرتنا الأزلية وحكمتنا البالغة أهلكنا وأفنينا أشباهكم وأمثالكم يا أرباب النفوس الأمارة ويا أصحاب القلوب الجوالة إما بالموت الطبيعي وإما بالموت الإرادي فهل من معتبر يعتبر هذا وهذا يختار لنفسه الأليق والأحرى ﴿وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ﴾ من الكفر والمعاصي مكتوب على التفصيل ﴿فِى الزُّبُرِ﴾ أي في ديوان الحفظة جمع زبور بمعنى الكتاب فهو بمعنى مزبور كالكتاب بمعنى مكتوب وقال الغزالي رحمه الله : كل شيء فعله الأمم في كتب أنبيائهم المنزلة عليهم كأفعال كفار زماننا في كتابنا ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ﴾ من الأعمال ﴿مُّسْتَطَرٌ﴾ مسطور في اللوح المحفوظ بتفاصيله يقال : استطره كتبه كما في القاموس قال يحيى بن معاذ رحمه الله : من علم أن أفعاله تعرض عليه في مشهد الصدق وأنه مجازي عليها اجتهد في إصلاح أفعاله وإخلاص أعماله ولزم الاستغفار لما سلف من إفراطه وقد روى أن النبي عليه السلام ضرب لصغائر الذنوب مثلاً فقال : إنما محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض وحضر جميع القوم فانطلق كل واحد منهم بحطب فجعل الرجل يجيء بالعود والآخر بالعود حتى جمعوا سواداً وأججوا ناراً فشووا خبرهم وأن الذنب الصغير يجتمع على صاحبه فيهلكه إلا أن يغفر الله اتقوا محقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً ولقد أحسن من قال :
خل الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
واصنع كماش فوق را
ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى


الصفحة التالية
Icon