يقول الفقير : فيه إشارة إلى أن الله تعالى قد تكلم بجميع اللغات سواء كان التعليم بواسطة أم لا فإن قلت : كيف يتكلم الله باللغات المختلفة والكلام النفسي عار عن جميع الأكسية قلت : نعم ولكنه في مراتب التنزلات والاسترسالات لا بد له من الكسوة فالعربية مثلاً كسوة عارضة بالنسبة إلى الكلام في نفسه وقد ذقنا في أنفسنا أنه يجيء الإلهام والخطاب تارة باللفظ العربي وأخرى بالفارسي وبالتركي مع كونه بلا واسطة ملك لأن الأخذ عن الله لا ينقطع إلا يوم القيامة وذلك بلا واسطة وإن كان الغالب وساطة الملك من حيث لا يرى فاعرف ذلك ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ مبتدأ وخبر والحسبان بالضام مصدر معنى الحساب كالغفران والرجحان يقال حسبه عده وبابه نصر حساباً بالكسر وحسباناً بالضم وأما الحسبان بالكسر فبمعنى الظن من حسب بالكسر بمعنى ظن والمعنى يجريان بحساب مقدر في بروجهما ومنازلهما بحيث ينتظم بذلك أمور الكائنات السفلية ويختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب فالسنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً والشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم أو أقل وفيه إشارة إلى شمس فلك البروج وقمر كرة القلب سيرانهما في بروج التجليات الذاتية ومنازل التجليات الأسمائية والصفاتية وكل ذلك السيران بحسب استعداد كل واحد منهما بحساب معلوم وأمر مقسوم ﴿وَالنَّجْمُ﴾ أي النبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له مثل الكرم والقرع ونحو ذلك ﴿وَالشَّجَرُ﴾ الذي له ساق وفي المنتقى كل نابت إذا ترك حتى يبرز انقطع فليس بشجر وكل شيء يبرز ولا ينقطع من سنته فهو شجر ﴿يَسْجُدَانِ﴾ أي ينقادان له تعالى فيما يريد بهما طبعاً انقياد الساجد من المكلفين طوعاً أو يسجد ظلهما على ما بين في قوله تعالى يتفيأ صلاله عن اليمين والشمائل سجد الله وكفته اندمارا بر سجود ايشان وقوف نيست نانه بر تسبيح ايشان كما قال تعالى :"ولكن لا تفقهون تسبيحهم" ذكر في مقابلة النعمتين السماويتين اللتين هما الشمس والقمر نعمتين أرضيتين وهما النجم والشجر
٢٨٩
وكلاهما من قبيل النبات الذي هو أصل الرزق من الحبوب والثمار والحشيش للدواب وإخلاء الجمل الأولى عن العطف لورودها على منهاج التعديد تنبيهاً على تقاعده في الشكر كما في قولك زيد أغناك بعد فقر أعزك بعد ذل كثرك بعد قلة فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد وأما عطف جملة والنجم على ما قبلها فلتناسبها من حيث التقابل لما أن الشمس والقمر علويان والنجم والشجر سفليان ومن حيث أن كلاً من حال علويين وحال السفليين من باب الانقياد لأمر الله تعالى ولما كانت هذه الأربعة مغايرة لجنس الإنسان في ذاته وصفاته غير النظم بإيرادها في صورة الاسمية تحقيقاً للتغاير بينهما وضعاً وطبعاً صورة ومعنى وفيه إشارة إلى سجود نجم العقل الذي به يهتدي إلى معرفة الأشياء واستهلاكه وتلاشية عند النظر إلى الحقائق الإلهية والمعارف الربانية لعدم قوة إدراكه إياها مستعداً بنفسه غير مستفيض من الفيض الإلهي بطريق الكشف والشهود وإلى سجود شجر الفكر المتشجر بالقوى الطبيعية والقوى الوهمية والخيالية وانحصاره في القوة المزاجية العنصرية وعدم تمكنه من إدراك الحقائق على ما هي عليه كما قيل العقل والفكر جالا حول سرادق الكون فإذا نظرا إلى المكون ذابا وكيف لا وهما مخلوقان محصوران تحت حصر الخلقية والحدوث وأنى للخلق المحدث معرفة الخالق القديم وما قدروا الله حق قدره
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨


الصفحة التالية
Icon