ـ روي ـ عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سورة الرحمن حتى ختمها قال : مالي أراكم سكوتاً للجن كانوا أحسن منكم رداً ما قرأت عليهم هذه الآية مرة فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال في بحر العلوم : وفيه دلالة بينة على أن الآلاء أراد بها النعم المطلقة الشاملة للظاهرة والباطنة لا المقيدة بالظاهرة كما سبق إليه بعض الأوهام انتهى قال في آكام المرجان دلت الآية على أن الجن كلهم مكلفون ولا خلاف فيه بين أهل النظر وزعمت الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وأنهم ليسوا مكلفين والدليل على أنهم مكلفون ما في القرآن من ذم الشياطين ولعنهم والتحذير من غوائلهم وشرهم وذكر ما أعده الله لهم من العذاب وهذه الخصال لا يفعلها الله إلا لمن خالف الأمر والنهي وارتكب الكبائر وهتك المحارم مع تمكنه من أن لا يفعل ذلك وقدرته على فعل خلافه ويدل على ذلك أيضاً أنه كان من دين النبي عليه السلام لعن الشياطين والبيان عن حالهم وأنهم يدعون إلى الشر والمعاصي ويوسوسون بذلك وتكرار هذه الآية في هذه الصورة لطرد الغفلة وتأكيد الحجة وتذكير النعمة وتقرير الكرامة من قولهم كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وكقولك لرجل أحسنت إليه بأنواع الأيادي وهو ينكرها ألم تكن فقيراً فأغنيتك أفتنكر هذا ألم تكن عرياناً فكسوتك أفتنكر هذا ألم تكن خاملاً فعززتك أفتنكر هذا وقال الشاعر :
لا تقطعن الصديق ما طرفت
عيناك من قول كاشح أشر
ولا تملن من زيارته
زره وزره زر ثم زر وزر
وقال في برهان القرآن : تكررت الآية إحدى وثلاثين مرة ثمان منها ذكرها عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم ثم سبع منها عقيب آياب فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم وحسن ذكر الآلاء عقيبها لأن في خوفها ودفعها نعماً توازي النعم المذكورة أو لأنها حلت بالأعداء وذلك يعد من أكبر النعماء وبعد هذه السبع ثمان في وصف الجنات وأهلها على عدد أبواب الجنة وثمان أخرى بعدها للجنتين اللتين دونها فمن اعتقد الثماني الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين من الله ووقاه الله السبع السابقة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨
يقول الفقير من لطائف أسرار هذا المقام أن لفظ ال في اول اسم الرحمن المعنون به هذه السورة الجليلة دل على تلك الإحدى والثلاثين ﴿خَلَقَ الانسَـانَ مِن صَلْصَـالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ بيافريد انسانرا از كل خشك مانند سفال خته كه دست
٢٩٣
بروى زنى آواز كنده.
الصلصال الطين اليابس الغير المطبوخ الذي له صلصلة أي صوت يسمع من يبسه وصح عن رسول الله عليه السلام أنه قال : إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات لصوته صلصلة كصلصلة الجرس على الصفوان والفخار والخزف أي الطين المطبوخ بالنار وتشبيهه بالفخار لصوته باليبس إذا نقر كأنه صور بصورة من يكثر التفاخر أو لأنه أوجوف وقد خلق الله آدم عليه السلام من تراب جعله طيناً ثم جمأ مسنوناً ثم صلصالاً ثم صب عليه ماء الأخزان فلا ترى ابن آدم ألا يكابد حزناً فلا تنافي بين الآية الناطقة بأحدها وبين ما نطق بأحد الآخرين ﴿وَخَلَقَ الْجَآنَّ﴾ أي الجن أو أبا الجن أو إبليس وبه قال الضحاك وفي الكشف الجان أبو الجن كما أن الإنسان أبو الإنس وإبليس أبو الشياطين ﴿مِن مَّارِجٍ﴾ أي من لهب صاف من الدخان وقال مجاهد المارج هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا وقدت من مرج أمر القوم إذا اختلط واضطرب فمعنى من مارج من لهب مختلط ﴿مِّن نَّارٍ﴾ بيان لمارج فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب وفي كشف الأسرار خلق الجن من مارج من نار والملائكة من نورها والشياطين من دخانها وقال بعضهم : من النار التي بين الكلية الرقيقة وبين السماء وفيها يكون البرق ولا السماء إلا من وراء تلك الكلية.
درباب نهم ازسفر نانىء فتوحات مذكور است كه مارج آتشست ممتزج بهواكه آنرا هواى مشتعل كويند س جان مخلوقست اذ دو عنصر آتش وهو وردم آفريده شده ازدو عنصر آب وخاك ون آب وخاك بهم شوند آنرا طين كويند وون هوا وآتش مختلط كردد آنرا مارج خوانند ونانكه تناسل دربشر بالقاء آتست در رحم تناسل درجن بالقاء هواست در رحم انثى وميان آفرينش جان وآدم شصت هزار سال بود ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات وفيه إشارة إلى أن الحق سبحانه تجلى لحقيقة إنسان الروح بصورة صفة صلصال اللطف والجمال والحقيقة إبليس النفس بصورة صفة مارج القهر والجلال فصار أحدهما مظهراً لصورة لطفه والآخر لصورة قهره فبأي آلاء ربكما تكذبان أيها الروح اللطيف والنفس الخبيثة لأن كل واحد منكما قد ذاق ما جبل عليه من اللطف والقهر والطيب والخبث
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨


الصفحة التالية
Icon