ومن بحر الحدوث العلم والمعرفة والفطنة وأيضاً يشير إلى بحر القلب الذي هو بحر الأخلاق المحمودة وبحر النفس الذي هو بحر الأخلاق المذمومة ولا يختلطان بحيث يصير القلب نفساً والنفس قلباً لأن بينهما العقل والعلم والشريعة والطريقة فإذا صارت النفس مطمئنة يخرج منها ومن القلب الإيمان والإيقان والصفاء والنور والطمأنينة وقال ابن عطاء رحمه الله بين العبد وبين الرب بحران عميقان أحدهما بحر النجاة وهو القرآن من تعلق به نجا لأن الله تعالى يقول : واعتصموا بحبل الله جميعاً وبحر الهلاك وهو الدنيا من ركن إليها هلك انتهى ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾ هذه اللام لها معنيان أحدهما أنها لام الملك والثاني أنها لام الاستحسان والتعجب كقولهمأنتدرك كما في كشف الأسرار والجوار بكسر الراء أصله الجواري بالياء بمعنى السفن جمع جارية أقيمت الصفة مقام الموصوف قال ابن الشيخ : اعلم أن الأركان أربعة : التراب والماء والهواء والنار فالله تعالى بيّن بقوله : خلق الإنسان من صلصال أن التراب أصل المخلوق شريف مكرم عجيب الشان وبيّن بقوله وخلق الجان من مارج من نار إن النار أيضاً أصل لمخلوق آخر عجيب الشان وبيّن بقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان إن الماء أيضاً أصل لمخلوق آخر له قدر وقيمة ثم ذكر أن الهواء له تأثير عظيم في جري السفينة كالأعلام فقال : وله الجوار وخصها بالذكر لأن جريانها في البحر لا صنع للبشر فيه وهم معترفون بذلك فيقولون لك الفلك ولك الملك وإذا خافوا الغرق دعوا الله خاصة وسميت السفينة جارية لأن شأنها الجري في البحر وإن كانت واقفة في الساحل والمراسي كما تسمى المملوكة أيضاً جارية لأن شأنها الجري والسعي في حوائج سيدها المرفوعات الشرع على أن يكون من أنشأه إذا رفعه والشرع بضمتين جمع شراع وهو الذي يسمى بالفارسية بادبان.
ولا يبعد أن يكون المنشآت بمعنى المرفوعات على الماء فتكون جارية على ما هي له كما في حاشية سعدي المفتي والمعنى المنشآت المصنوعات أي المخلوقات على أن يكون من أنشأه الله أي خلقه
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿فِى الْبَحْرِ كَالاعْلَـامِ﴾ جمع علم وهو الجبل الطويل أي كالجبال الشاهقة عظماً وارتفاعاً وهو حال من ضمير المنشآت والسفن في البحر كالجبال في البر كما أن الإبل في البر كالسفن في البحر ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر يابسات لقطع المسافات الكثيرة في الأوقات القليلة وحصول المعاملات والتجارات لا يقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه وفيه إشارة إلى جريان سفن الشريعة والطريقة المرفوعات الشرع بأحكام الشريعة وآداب الطريقة في بحر الوحدة الحقيقية كالجبال العظام مشحونات بمنافع كثيرة من الطاعات والعبادات على مقتضى علم الشريعة والواردات القليمة والإلهامات الغيبية على قانون أرباب الطريقة كما في التأويلات النجمية ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ الهاء كناية عن غير مذكور كقولهم إذا نهى السفيه جرى إليه والمعنى كل من على الأرض من الحيوانات والمركبات ومن للتغليب على الوجهين أو من الثقلين فإن أي هالك لا محالة يعني سر انجام كار فانى شوند.
ولما نزلت هذه الآية قالت الملائكة : هلكت بنوا آدم فلما
٢٩٧