ـ يروى ـ أن العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت أي هذه الكلمة إلى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس إلى جنبها وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار فقال عليه السلام : إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فإنها بعشر أمثالها فقال : يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات فقال عليه السلام : هي أحسن الحسنات ويكفي في شرف التوحيد أن الإيمان الذي هو أصل الطاعات وتنوير القلب الذي هو محل نظر الحق وتصفية الباطن من أكدار السوى إنما يحصل به ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ من نعمه الواصلة في الدنيا والآخرة ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ مبتدأ وخبر أي ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لم دونهم من أصحابه اليمين فالخائفون قسمان : المقربون وأصحاب اليمين وهم دون المقربين بحسب الفضائل العلمية والعملية فدون بمعنى الأدنى مرتبة ومنزلة لا بمعنى غير فالجنتان الأوليان أفضل من الأخريين كفضل المقربين على الأبرار وقيل ليس دون من الدناءة بل من الدنو وهو القرب أي ومن دون هاتين الجنتين إلى العرش أي أقرب إليه وأرفع منهما وحمله بعض المفسرين علي ومعنى الغير.
كما قال الكاشفي : ويجزاين بوستان كه مذكورشد دوبوستان ديكرست وكفته اندد وبوستان اول اززرست براى سابقان واين دوبوستان ازنقره براى اصحاب يمين.
وأطلقهما صاحب كشف الأسرار حيث قال من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ولكل رجل وامرأة من أهل الجنة جنتان إحداهما جزاء عمله والأخرى ورثوها عن الكفار وقيل لكل واحد منهم أربع جنان في الجهات الأربع ليتضاعف له السرور بالتنقيل من جنة إلى جنة ويكون أمتع لأنه أبعد من الملل فيما طبع عليه البشر وجملة معاني من دونهما فوقهما أو من دون صفتيهما أو من دونهما في الدرج أو أمامهما أو قبلهما "وفلاة من دونها سفر طال وميل يفضي إلى أميال" ويؤيد معنى الأدنى مرتبة قول
٣١٠
الشيخ نجم الدين في تأويلاته يشير إلى جنتي الأبرار القائمين بالأعمال الصحيحة والأقوال المستقيمة الناظرين إلى المراتب السنية الطالبين للمراتب والمقامات العلية يعني أن لهم جنتين من دون جنتي المذكورين أعني الفانين عن ناسوتيتهم والباقين بلاهوتيته
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨
﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما ذكر من الجنتين ﴿مُدْهَآمَّتَانِ﴾ صفة لجنتان يقال ادهام الشيء يدهام ادهيماما فهو مدهام اسود وفي تاج المصادر في باب الافعيلال الادهيمام سياه شدن لأن الدهمة بالضم السواد والأدهم والأسود ومنه قوله تعالى مدهامتان أي سوداوان يعني علا لونها دهمة وسواد من شدة الخضرة والري وإن شئت قلت خضراً وإن تضربان إلى السواد من شدة الخضرة وبالفارسية دوبهشت سبزاز بسيارى سبزى بسايهى رسيده والنظر إلى الخضرة يجلو البصر كما قال عليه السلام ثلاث يجلون البصر : النظر إلى الخضرة وإلى الماء الجاري وإلى الوجه الحسن قال ابن عباس رضي الله عنهما : والإثمد عند النوم وهو الكحل الأسود وأجوده الأصفهاني وهو بارد يابس ينفع العين اكتحالاً ويقوي أعصابها ويمنع عنها كثيراً من الآفات والأوجاع سيما الشيوخ والعجائز وإن جعل معه شيء من المسك كان غاية في النفع وينفع من حرق النار طلاء مع الشحم ويقطع النزف ويمنع الرعاف إذا كان من أغشية الدماغ وفي الحديث "خيراً كحالكم الأثمد ينبت الشعر ويجلو البصر" كما في خريدة الجائب وفي قوله مدهامتان إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض وعلى الأوليين الأشجار والفواكه ودل هذا على فضل الأوليين على الأخريين.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨