قال في التأويلات النجمية : يشير به إلى غلبة القوة النباتية على أصحاب هاتين الجنتين وهم أصحاب اليمين وإلى غلبة القوة الروحانية على أصحاب الجنتين الأوليين لأن فيهما كثرة الأشجار والفواكه وهم المقربون ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ حيث تتمتع أبصاركم بخضرة نباتات هاتين الجنتين وتنتفع أنوفكم بشم رياحينهما قال الفقهاء : إذا قرأ في الصلاة آية واحدة هي كلمة واحدة نحو قوله تعالى : مدهامتان أوحرف واحد نحوق وص ون فإن كل حرف منها آية عند البعض فالأصح أنه لا يجزي عن فرض القراءة لأنه لا يسمى قارئاً لأن القراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ يقال نضخه كمنعه رشه ونضخ الماء اشتد فورانه من ينبوعه كما في القاموس أي فوارتان بالماء لا تنقطعان وبالفارسية جوشنده بآب يعني هرندازوير دارند ديكرجوشد.
وهذا يدل أيضاً على فضل الأوليين على الأخريين لأنه تعالى قال في الأوليين عينان تجريان وفي الأخريين نضاختان والنضخ دون الجري لأن النضخ هو الفوران وهو يتحقق بأن يكون الماء بحيث كلما أخذ منه شيء فار آخر مكانه ولا يكفي هذا القدر في جريانه فلا شك أن الجري أبلغ منه وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نضاختان بالمسك والعنبر وقال الكلبي بالخير والبركة ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ حيث يحصل لكم الري من شراب تينك العينين ﴿فِيهِمَا فَـاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ عطف الأخيرين على الفاكهة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة بياناً لفضلهما فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء والرمان بالفارسية انار.
فاكهة
٣١١
ودواء يعني بحسب حال الدنيا وإلا فالكل في الجنة للتفكه ومن هذا قال أبو حنيفة رحمه الله : من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رماناً أو رطباً لم يحنث خلافاً لصاحبه يعني أن أبا حنيفة لا يجعلهما من الفاكهة بخلاف صاحبيه وغيرهما فلا يحنث من حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل تمراً أو رماناً عنده وكذا الحكم عنده في العنب ومن جعلهما من الفاكهة حملهما على التخصيص بذكرهما بياناً لفضلهما كما مر آنفاً وقد سبق بيان النخل مفصلاف قال ابن عباس رضي الله عنهما : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى وأنهارها تجري في غير أخدود والرمان من الأشجار التي لا تقوى إلا بالبلاد الحارة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨
ـ روي ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما ما لقحت رمانة قط إلا بحبة من الجنة وقال الإمام علي رضي الله عنه : إذا أكلتم الرمان فكلوه ببعض شحمه فإنه دباغ للمعدة وما من حبة منه تقيم في جوف مؤمن إلا أنارت قلبه وأخرجت شيطان الوسوسة منه أربعين يوماً وفي الحديث "من أل رماناً أنار الله قلبه أربعين يوماً" ولا يخفى ما في جمع الرمان مع انار من اللطافة وأجوده الكبار الحلو المليس وهو حار رطب يلين الصدر والحلق ويجلو المعدة وينفع من الخفقان ويزيد في الباءة وقشره تهرب منه الهوام.
وفي التأويلات النجمية يشير إلى ضعف استعداد أصحاب اليمين بالنسبة إلى المقربين لأن الرمان للدواء لا للتفكه وتهيئة الدواء في البيت تدل على ضعف مزاج ساكن البيت ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ حيث هيأ لكم ما به تتلذذون من الفواكه ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ صفة أخرى لجنتان كالجملة التي قبلها والكلام في جمع الضمير كالذي مر فيما مر وخيرات مخففة من خيرات جمع خيرة لأن خير الذي بمعنى اخير لا يجمع فلا يقال فيه خيرون ولا خيرات ومعناها بالفارسية زنان بركزيده.
وقيل في تفسير الخيرات أي لسن بدمرات ولا بخرات الدمر النتن والبخر بالتحريك النتن في الفم والإبط وغيرهما ولا متطلعات التطلع شم داشتن.
وقولهم عافى الله من لم يتطلع في فمك أي لم يتعقب كلامك "ولا متشوفات" التشوف خويشتن آراستن وشم داشتن.
ويعدى بإلى وفي القاموس شفته شوفاً جلوته وشيفت الجارية تشاف زينت وتشوف تزين وإلى الخير تطلع ومن السطح تطاول ونظر وأشرف "ولا ذربات" يقال ذرب كفرح ذربا وذرابة فهو ذرب حد والذربة بالكسر السليطة اللسان "ولا سليطات" السلط والسليط الشديد والطويل اللسان "ولا طماحات" يقال طمح بصره إليه كمنع ارتفع والمرأة طمحت فهي طامح وككتاب النشوز "ولا طوفات في الطرق" أي دوارت "حسان" جمع حسنة وحسناء أي حسان الخلق والخلق يعني نيكو رويان ونيكو خويان.
وهن من الحور وقيل من المؤمنات الخيرات ويدل على الأول ما بعد الآية وفي الحديث "لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على السموات والأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحاً ولعصابتها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
وروي لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها.
٣١٢


الصفحة التالية
Icon