﴿فَأَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَـابُ الْمَشْـاَمَةِ مَآ أَصْحَـابُ الْمَشْئَمَةِ﴾ تقسيم للأزواج الثلاثة فأصحاب الميمنة مبتدأ خبره ما أصحاب الميمنة على أن ما الاستفهامية مبتدأ ثان ما بعده خبره والأصل ما هم أي أي شيء هم في حالهم وصفتهم والمراد تعجيب المسامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل ما عرفت حالهم أي شيء فاعرفها وتعجب منها فأصحاب الميمنة في غاية حسن الحال وأصحاب المشأمة في نهاية سوء الحال نحو زيد وما زيد حيث لا يقال إلا في موضع التعظيم والتعجب وأصحاب الميمنة أصحاب المنزلة السنية واأصحاب المشأمة أصحاب المنزلة الدنية أخذاً من تيمنهم بالميامن أي بطرف اليمين وتشؤمهم بالشمائل أي بجانب الشمال كما تقول فلان مني باليمين والشمال إذا وصفته عندك بالرفعة والضعة تريد ما يلزم من جهتي اليمين والشمال من رفعة القدر وانحطاطه أو الذين يؤتون صحائفهم بإيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم أو الذي يكونون يوم القيامة على يمين العرش فيأخذون طريق الجنة والذين يكونون على شمال العرش فيفضي بهم إلى النار أو أصحاب اليمن وأصحاب الشؤم فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم عليها بمعاصيهم أو أصحاب الميمنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق قال الله تعالى في حقهم هؤلاء من أهل الجنة أو أبالي وأصحاب المشأمة الذين كانوا على شماله وقال الله تعالى
٣١٧
فيهم هؤلاء من أهل النار ولا أبالي وفي القاموس اليمن البركة كالميمنة يمن فهو ميمون وأيمن والجمع ميامين وأيامن واليمين ضد اليسار والجمع أيمن وإيمان وأيامن وأيامين والبركة والقوة والشؤم ضد اليمن والمشأمة ضد الميمنة ﴿وَالسَّـابِقُونَ السَّـابِقُونَ﴾ هم القسم الثالث من الأزواج الثلاثة آخر ذكرهم ليقترن ببيان محاسن أحوالهم وأصل السبق التقدم في السير ثم نجوز به في غيره من التقدم والجملة مبتدأ وخبر والمعنى والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت محاسنهم كقوله أنا أبو النجم وشعري شعري أو السابقون الأول مبتدأ والثاني تأكيد له كرر تعظيماً لهم والخبر جملة قوله أولئك الخ وفي البرهان التقدير عند بعضهم السابقون ما السابقون فحذف ما لدلالة ما قبله عليه وهم الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان فالمراد بالسبق هو السبق بالزمان أو الذين سبقوا في حيازة الكمالات الدينية والفضائل القينية فالمراد بالسبق هو السبق بالشرف ما قال الراغب يستعار السبق لإحراز الفضل وعلى ذلك والسابقون السابقون أي المقتدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة ﴿أولئك﴾ الموصوفون بذلك النعت الجليل وهو مبدأ خبره قوله :﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾ أي الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم وأعليت مراتبهم ورقيت إلى حظائر القدس نفوسهم الزكية.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٣٤ من صفحة ٣١٨ حتى صفحة ٣٢٧
يقول الفقير : عرف هذا المعنى من قوله عليه السلام إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن فإنه يظهر منه أن الفردوس مقام المقربين لقربه من العرش الذي هو سقف الجنة ولم يقل أولئك المتقربون لأنهم بتقريب ربهم سبقوا لا بتقرب أنفسهم ففيه إشارة إلى الفضل العظيم في حق هؤلاء يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ﴿فِى جَنَّـاتِ النَّعِيمِ﴾ متعلق بالمقربون أو بمضمر هو حال من ضميره أي كائنين في جنات النعيم يعني در بوستانهاى مشتمل بر أنواع نعمت.
قيل السابقون أربعة سابق أمة موسى عليه السلام وهو خربيل مؤمن آل فرعون وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية وسابقاً أمة محمد عليه السلام وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال كعب : هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة فإنهم كادوا أن يكونوا أنبياء إلا أنه لا يوحي إليهم والمراد بأهل القرآن الملازمون لقراءته والعاملون به وكان خلق النبي عليه السلام القرآن وقيل الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهو السابق المقرب ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبة فهذا صاحب اليمين ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال وقال حضرة شيخي وسندي قدس سره في بعض تحريراته العباد ثلاثة أصناف : صنف هم أهل النسيان وصنف هم أهل الذكر وصنف هم أهل الإحسان والصنف الأول أهل الفتور مطلقاً وليس فيه بوجه من الحضور شيء أصلاً وهم أهل البعد قطعاً وليس لهم من القرب شيء جداً وهم أصحاب المشأمة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة وهم أرباب الغضب والقهر والجلال ولهم في نار الجحيم عذاب اليم وماء حميم والصنف الثاني أهل الفتور من وجه وأهل الحضور من وجه وهم أهل البعد بوجه وأهل القرب بوجه وهم أصحاب الميمنة
٣١٨


الصفحة التالية
Icon