يقول الفقير : يدل على هذا ما يأتي من قوله ثم إنكم أيها الضالون المكذبون والحكمة في ذكر سبب عذابهم مع أنه لم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم فلم يقل إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين التنبيه على أن ذلك الثواب منه تعالى فضل لا تستوجبه طاعة مطيع وشكر شاكر وإن العقاب منه تعالى عدل فإذا لم يعلم سبب العقاب يظن أن هناك ظلماً وفي الآية إشارة إلى سموم نار البعد والحجاب وحميم القهر والغضب وظل شجرة الجهل ما فيه برد اليقين كسائر الظلال ولا يسكن حرارة عطشهم من طلب الدنيا ولذاتها وما فيه كرم الهمة أيضاً حتى يعينهم على ترك الدنيا وزينتها وزخار فهابل لا يزالون يطلبون من الدنيا ما ليس فيها من الاستراحة والاسترواح إنهم كانوا قبل ذلك
٣٢٨
مترفين يعني ما كان استظلالهم بشجرة الجهل المركب التي ليس فيها برد اليقين ولا كرم الهمة إلا بسبب استعداداتهم الذاتية المجبولة على جب الشهوات واللذات قبل دخولهم في الوجود العيني وأيضاً كان استظلالهم بشجرة الجهل لأنهم كانوا في محبة النفس والدنيا متمكنين في الأزل إذ الحنث العظيم هو حب النفس وحب الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلّم "حب الدنيا رأس كل خطيئة" :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
هر اطاعت نفس شهوت برست
كه هر ساعتش قبله ديكر است
برمرد هشيار دنيا خست
كه هر مدتي جاى ديكر كسست
﴿وَكَانُوا﴾ مع شركهم ﴿يَقُولُونَ﴾ لغاية عتوهم وعنادهم ﴿أَاـاِذَا مِتْنَا﴾ آيا وقتى كه بميريم ﴿وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا﴾ أي كان بعض أجزائنا من اللحم والجلد تراباً وبعضها عظاماً نخرة وتقديم التراب لعراقته في الاستبعاد وانقلابه من الأجزاء البادية وإذا ممحضة للظرفية والعامل فيها ما دل عليه قوله تعالى :﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لأنفسه لأن ما بعدان واللام والهمزة لا يعمل فيها قبلها وهو البعث وهو المرجع وإن كان البدن على حاله بل لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له بالكلية وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتيت في المبعوية بالفعل في حال كونهم تراباً وعظاماً بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له ومرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك الحالة ﴿أَوَ ءَابَآؤُنَا الاوَّلُونَ﴾ الواو للعطف على المستكن في لمبعوثون.
يعني آيا ما دران ودران يشين مانيز مبعوث شوند ﴿قُلْ﴾ رداً لإنكارهم وتحقيقاً للحق ﴿إِنَّ الاوَّلِينَ وَالاخِرِينَ﴾ من الأمم الذين من جملتهم أنتم وآباؤكم.
وبالفارسية بدرستى كه يشينيان از آباى شما وغير آن ويشينيان از شما وغير شما.
وفي تقديم الأولين مبالغة في الرد حيث كان إنكارهم لبعث آبائهم أشد من إنكارهم لبعثهم مع مراعاة الترتيب الوجودي ﴿لَمَجْمُوعُونَ﴾ بعد الموت وكأنه ضمن الجمع معنى السوق فعدى تعديته بإلى ولذا قال :﴿إِلَى مِيقَـاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ إلى ما وقتت به الدنيا وحدت من يوم معلوممعين عنده وهو يوم القيامة والإضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات هو الوقت المضروب للشيء ينتهي عنده أو يبتدأ فيه ويوم القيامة ميقات تنتهي الدنيا عنده وأول جزء منه فالميقات الوقت المحدود وقد يستعار للمكان ومنه مواقيت الإحرام للحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرماً ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾ الخطاب لأهل مكة وإضرابهم عطف على أن الأولين داخل تحت القول وثم للتراخي زماناً أو رتبة ﴿أَيُّهَا الضَّآلُّونَ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
عن الحق والهدى ﴿الْمُكَذِّبُونَ﴾ أي البعث ﴿لاكِلُونَ﴾ بعد البعث والجمع ودخول جهنم ﴿مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾ من الأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الشجر وتفسيره أي مبتدئون الأكل من شجر هو الزقوم وهو شجر كريه المنظر والطعم حار في اللمس منتن في الرائحة وهي الشجرة الملعونة في القرآن قال أهل الحقيقة : سدرة المنتهى أغصانها نعيم لأهل الجنة وأصولها زقوم لأهل النار فهي مبدأ اللطف والقهر والجمال والجلال ﴿فَمَالِـاُونَ﴾ س ركنند كان باشيد.
يقال ملأ الإناء فهو مملوء من باب قطع والملىء بالكر مقدار ما يأخذه الإناء إذا امتلأ ﴿مِنْهَا﴾ أي من ذلك الشجر والتأنيث باعتبار المعنى ﴿الْبُطُونَ﴾ أي
٣٢٩