﴿أَفَرَءَيْتُمُ﴾ خبر نماييد ﴿الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ﴾ عذباً فراتاً وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لأن الشرب أهم المقاصد المنوطة به ﴿ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾ أي من السحاب واحده مزنة وقيل : هو السحاب الأبيض وماؤه أعذب ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾ له بقدرتنا والرؤية إن كانت بمعنى العلم فمعلقة بالاستفهام وإن كانت بمعنى الابصار أو المعرفة فالجملة الاستفهامية استئناف وهذا هو اختيار الرضى ﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَـاهُ أُجَاجًا﴾ ملحاً زعاقاً لا يمكن شربه وحذف اللام في الشرطية الأولى للفرق بين المطعوم والمشروب في الأهمية وصعوبة الفقد يعني أن أمر المطعوم ههنا مع إثباتها مقدم على أمر المشروب وإن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم ﴿فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ فهلا تشكرون ما ذكر جميعاً من المطعوم والمشروب بتوحيد منعمه وإطاعة أمره أو فلولا تشكرون على أن جعلناه عذباً وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن تحت العرش بحراً تنزل منه أرزاق الحيوانات يوحي الله إليه فيمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى سماء الدنيا ويوحي إلى السماء أن غربليه فتغربله فليس من قطرة تقطر إلا معها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة الإبكيل معلوم ووزن معلوم إلا ما كان من يوم الطوفان فإنه نزل بغير كيل ولا وزن وقال بعض الحكماء : إن المطر يأخذه قوس الله من البحر إلى السحاب ثم ينزل من السحاب إلى الأرض قال بعضهم : هو أدخل في القدرة لأن ماء البحر مر فيصعد ملحاً وينزل عذباً وفي الآية إشارة إلى أن بعض بلاد العرب ليس لها آبار ولا أنهار جارية فلا يشرب أهلها إلا من المطر في المصانع فمنها القدس الشريف وينبع وجدة المحروسة ونحوها وللماء العذب مزيد فضل في هذه البلاد ولذا امتن الله به على العباد وفيها إشارة إلى ماء معرفة والعلم الإلهي فإنه ليس بالكسب والاجتهاد بل بمحض عطاء الله تعالى ولو شاء الله لجهل الماء العذب الجاري من مشرب الكشف والشهود ماء ملحاً جارياً من مشرب الحجاب والاحتجاب والجهالة والضلالة فلا بد من الشكر على نعم المعارف والحقائق والحكم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
واعلم أن من حفر بئراً فإما أن يصل إلى الماء أو لا فإن وصل فإما أن يكون ذلك الماء مالحاً أو عذباً فعلى تقدير كونه عذباً ليس كالمطر الحاصل بلا أسباب فإٌّه طيب طاهر خالص فهذا مثل علم علماء الرسوم ومثل علم علماء الحقيقة فإن الأنبياء والأولياء ملهمون من عند الله تعالى ولا خطأ في لوحي والإلهام أصلاً ولذا نقول : إن علم الصوفية هو العلم الصواب كله فعلمهم تذكري ليس لهم احتياج إلى ترتيب المقدمات بخلاف علماء الرسوم فإن علمهم تفكري هتاج إلى ذلك ولا بد لطالب الفيض من تهيئة المحل قبل وروده ألا ترى إلى صاحب الحرث فإنه يشتغل بتهيئة الأرض وإلقاء البذر ولا يدري من ينزل المطر فإذا نزل أصاب محزه.
ثم اعلم أن الروح ينزل بالمطر وله تعين في كل نشأة بما يناسبه فعند تمام الخلقة في الرحم ينفخ الله تعالى الروح وهو عبارة عن تعين الروح وظهوره لكن عبر عنه بالنفخ لأن العقل قاصر عن دركه وكان عليه السلام يكشف رأسه عند نزول المطر ويقول حديث عهد بربه فالروح أي روح كان سبب للحياة مطلقاً
٣٣٤
فينبغي تلقي التجليات الواردة من قبل الحق بهيئة المحل كما أن النبي عليه السلام كشف رأسه وهيأ محل نزول المطر وذلك لأن المطر ينزل من العلو فلقي على أعلى شيء في الإنسان وهو الرأس ﴿أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ﴾ الإيراء آتش از آتش زنه بيرون كردن.
أي تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة شهوهما بالفحل والطروقة يقال ناقة طروقة أي بلغت أن يضربها الفحل لأن الطرق الضرب ﴿ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ﴾ التي منها الزناد وهي المرخ والعفار كما مر في صورة يس ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنشِـاُونَ﴾ لها بقدرتنا ﴿نَحْنُ جَعَلْنَـاهَا تَذْكِرَةً﴾ استئناف مبين لمنافعها أي جعلنا نار الزناد تذكير النار جهنم من حيث عقلنا بها أسباب المعاش لينظروا إليها ويذكروا ما أوعدوا به من نار جهنم أو تذكرة وموعظة وأنموذجاً من جهنم لما روى عن النبي عليه السلام :"ناركم هذه التي يوقدها بنو آدم جزء من سبعين جزأ من حر جهنم" وقيل تبصرة في أمر البعث فإنه ليس أبدع من إخراج النار من الشيء الرطب وفي عين المعاني وهو حجة على منكري عذاب القبر حيث تضمن النار ما لا يحرق ظاهره
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦


الصفحة التالية
Icon