﴿وَمَتَـاعًا﴾ ومنفعة وبلغة لأن حمل النار يشق ﴿لِّلْمُقْوِينَ﴾ للذين ينزلون القواء بالفتح وهو القفر الخالي عن الماء والكلام والعمارة وهم المسافرون وتخصيصهم بذلك لأنهم أحوج إليها ليهرب منها السباع ويسطلوا من البرد ويجففوا ثيابهم ويصلحوا طعامهم فإن المقيمين أو النازلين بقرب منهم ليسوا بمضطرين إلى الاقتداح بالزناد وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على أن الأهم هو النفع الأخروي يقال أقوى الرجل إذا نزل في الأرض القواء كأصحر إذا دخل في الصحراء وفي الحديث :"قال النبي عليه السلام لجبريل مالي أر ميكائيل ضاحكاً قط قال : ما ضحك ميكائيل منذر خلقت النار" وعن أنس رضي الله عنه يرفعه أن أدنى أهل النار عذاباً الذي يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه في رأسه وفيه بيان شدة نار جهنم وإنها ليست كنار الدنيا وقانا الله وإياكم منها وفي الآية إشارة إلى نار المحبة المشتعلة الموقدة بمقدح الطلب في حراقة قلب المحب الصادق في سلوك طريق الحق وشجرتها هي العناية الإلهية السرمدية يدل هذا التأويل قول العارف أبي الحسين المنصور قدس سره حين سئل عن حقيقة المحبة هي العناية الإلهية السرمدية لولاها ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان نحن جعلناها تذكرة لأرباب النفوس البشرية ليهتدوا بنورها إلى سلوك طرق الحق ومتاعاً للمقوين أي غذاء لأرواح المحبين الطاوين أياماً وليالي عن الطعام والشراب كما حكي عن سعل التستري رحمه الله أنه كان يطوي ثلاثين يوماً وعن أبي عقيل المغربي قدس سره أنه ما أكل سنتين وهو مجاور بمكة وعن كثير من المرتاضين السالكين وإنما رفع إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة لمبالغته في التجريد والترويح حتى أن الروحانية غلبت عليه فخلع بدنه وخالط الملائكة واتصل بروحانية الأفلاك وترقى إلى عالم القدس وقد أقامه ستة عشر عاماً لم ينم ولم يطعم شيئاً ولم يتزوج قط لزوال الشهوة بالكلية حتى صار عقلاً مجرداً من كثرة الرياضة ورفع إلاى أعلا الأمكنة وهو المكان الذي يدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس ثم
٣٣٥
أن نار المحبة أشد النيران قال الجنيد قدس سره : قالت النار : يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء هو أشد مني قال : نعم كنت أسلط عليك ناري الكبرى قالت : هل نار أعظم مني؟ قال : نعم نار محبتي أسكنها قلوب أوليائي المؤمنين كما في فتح القريب :
مهرجانان آتش است عشاق را
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
مى بسوزد هستى مشتاق را
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ٣٦ من صفحة ٣٣٦ حتى صفحة ٣٤٤