﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ لم يقل فسبح ربك لأن سبح منزل منزلة اللازم ولم يعتبر تعلقه بالمفعول ومعناه فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى إضمار المضاف شكراً على تلك النعم وإن جحدها الجاحدون أو بذكره على المجاز فإن إطلاق الاسم للشيء ذكر له والباء للاستعانة أو الملابسة والمراد بذكر ربه هنا تلاوة القرآن والعطيم صفة للاسم أو الرب قال ابن عطاء رحمه الله سبحه أن الله أعظم من أن يلحقه تسبيحك أو يحتاج إلى شيء منك لكنه شرف عبيده بأن أمرهم أن يسبحوه ليطهروا أنفسهم بما ينزهونه به ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ أي فاقسم ولا مزيدة للتأكيد وتقوية الكلام كما في قوله تعالى : لئلا يعلم أهل الكتاب وما قيل أن المعي فلا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم خصوصاً إلى مثل هذا القسم العظيم فيأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن المقسم به ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ أي بمساقطها وهي مغاربها وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم أو بمنازلها ويمجاريها فإن له تعالى في ذلك من الدليل على عظم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به البيان وقيل : النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها وإليه ذهب ابن عباس رضي الله عنهما وقيل : النجوم الصحابة والعلماء الهادون بعدهم ومواقعهم القبور وقيل غير ذلك ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي القسم بالمذكور ﴿لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى بغير كتاب قوله لو تعلمون اعتراض بين الصفة والموصوف لتأكيد تعظيم المحلوف به وجوابه متروك أريد به نفي علمهم أو محذوف ثقة بظهوره أي لعظمتمون أو لعملتم بموجبه ففيه تنبيه على تقصير المخاطبين في الأمر وعظيم صفة قسم وهذه الجملة أيضاً اعتراض بين القسم وجوابه الذي هو قوله تعالى :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ﴾ هو المقسم عليه أي لكتاب كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في صلاح المعاش والمعاد على أن يستعار الكرم ممن يقوم به الكرم من ذوي العقول إلى غيرهم أو حسن مرضى في جنسه من الكتب أو كريم عند الله وقال بعضهم : كريم لأنه يدل على مكارم الأخلاق ومعالي الأمور وشرائف الأفعال وقيل : كريم لنزوله من عند كريم بواسطة الكرام إلى أكرم الخلق
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
﴿فِى كِتَـابٍ مَّكْنُونٍ﴾ أي مصون عن غير المقربين من الملائكة أي لا يطلع عليه من سواهم وهو اللوح المحفوظ ﴿لا يَمَسُّه إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ أما صفة أخرى للكتاب فالمراد بالمطهرين الملائكة المنزهون عن الكدورات الجسمانية وأوضار الأزار أو للقرآن فالمراد المطهرون من الأحداث مطلقاً فيكون نفياً بمعنى النهي أي لا ينبغي أن يمسه إلا من كان على طهارة من الأدناس كالحدث والجنابة ونحوهما
٣٣٦