﴿فَنُزُلٌ﴾ أي فله نزل كائن ﴿مِّنْ حَمِيمٍ﴾ يشرب بعد أكل الزقوم كما فصل فيما قبل وبالفارسية س مراوراست يشكش درقبر ازاب كرم كرده دردوزخ بادود آتش دوزخ ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ أي إدخال في النار وقيل : إقامة فيها ومقاساة لألوان عذابها وقيل ذلك ما يجده في القبر من سموم النار ودخانها يقال أصلاه النار وصلاه أي جعله يصلاها والمصدر هنا مضاف إلى المفعول ﴿إِنَّ هَـاذَا﴾ أي الذي ذكر في هذه السورة الكريمة ﴿لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ أي حق الخبر اليقين فهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة على الاتساع والمجاز وقيل الحق الثابت من اليقين أي الحق الثابت الذي لا يطرأ عليه التبدل والتغير وقال أبو الليث أي يقين حق اليقين انتهى واليقين علم يحصل به ثلج الصدور ويسمى برد اليقين فهو العلم الذي يحصل به اطمئنان النفس ويزول ارتيابها والضطرابها والمراد هنا المعلوم المتيقن به لأن المبتدأ عبارة عن المعلوم فيجب أن يكون الخبر أيضاً كذلك التقدير إن هذا لهو ثابت الخبر المتيقن به أي الثابت منه على أن الإضافة بمعنى من وفى فتح الرحمن هذه عبارة فيها مبالغة لأنها بمعنى واحد كما تقول في أمر توكده هذا يقين اليقين وصوب الصواب بمعنى أنه نهاية الصواب فهي عبارة مبالغة وتأكيد معناه أن هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته انتهى قال ابن الملك إضافة العلم إلى اليقين إضافة الشيء إلى مرادفه كما فعلوا مثل ذلك في العطف وفي شرح النصوص بالنون العلم اليقيني هو العلم الحاصل بالإدراك الباطني بالفكر الصائب والاستدلال وهذا للعلماء الذين يوقنون بالغيب ولا تزيد هذه المرتبة العلمية إلا بمناسبة الأرواح القدسية فإذا يكون العلم عيناً ولا مرتبة للعين إلا اليقين الحاصل من مشاهدة المعلوم ولا تزيد هذه المرتبة إلا بزوال حجاب الاثنينية فإذا يكون العين حقاً ولا مرتبة للحق إلا الإدراك بأحدية جمعك أي بحقيقتك المشتملة على المدركات الظاهرة والباطنة والجامعة بين روحانيتك وجسمانيتك أي يدركها بها إدراكاً يستوعب معرفة كل ما اشتملت عليه حقيقة المدرك من الأمور الظاهرة والباطنة وهو حال الكامل وصفة من صار قلبه مستوى الحق الذي قد وسعه كما أخبره لأنه حال جمع الجمع وزيادة هذه المرتبة أي حق اليقين عدم ورود الحجاب بعده وعنه للأولياء وحقه للأنبياء وأما حقيقة اليقين وهو باطن حق اليقين فهو لنبينا عليه السلام وهذه الدرجات والمراتب لا تحصل إلا بالمجاهدة مثل دوام الوضوء وقلة الأكل والذكر والسكوت بالفكر في ملكوت السموات والأرض وبأداء السنن والفرائض وترك ما سوى الحق والغرض وتقليل المنام والعرض وأكل الحلال وصدق المقال والمراقبة بقلبه إلى الله تعالى فهذه مفاتيح المعاينة والمشاهدة انتهى
٣٤٢
وقال ابن عطاء رحمه الله : إن هذا القرآن لحق ثابت في صدور الموقنين وأهل اليقين وهو الحق من عند الحق فلذلك تحقق في قلوب المحققين واليقين ما استقر في قلوب أوليائه وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناًك
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
حال خلد وجحيم دانستم
بيقين اننانكه مى بايد
كر حجاب ازميانه بركيرند
آن يقين ذره نيفزا يد
يعني اكر احوال آخرت منكشف شود وجمله را معاينه كنم يك ذره در يقين من زياده نشود كه علم اليقين من امروز وعين اليقين منست در فردا.
وقال عليه السلام : اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً ليس بعده كفر وهو اليقين الحاصل بالعيان وظهور الحقيقة ولذا نقول أهل علم اليقين ذو خطر لا يحصل منه الإرشاد بخلاف أهل عين اليقين فإنه قطب إرشاد وبخلاف أهل حق اليقين فإنه قطب الأقطاب فالتجليات ثلاثة : تجلي علمي وتجلي عيني وتجلي حقي فالأول كعلم الكعبة علماً ضرورياً من غير رؤية والثاني مثل رأستها من بعيد والثالث كدخولها قال قتادة : إن الله ليس تاركاً أحداً من الناس حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن أما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
قال المولى الجامي :
سيراب كن زبحر يقين جان نشنه را
زين بيش خشك لب منشين برسراب ريب
﴿فَسَبِّحْ﴾ يا محمد ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ الفاء لترتيب التسبيح أو الأمر به على ما قبلها فإن حقية ما فصل في تضاعيف السورة الكريمة مما يوجب تنزيهه تعالى عما لا يليق بشأنه الجليل من الأمور التي من جملتها الإشراك به والتكذيب بآياته الناطقة بالحق وقال أبوعثمان قدس سره : فسبح شكراً لما وقفنا أمتك إليه من التمسك بسنتك وفي فتح الرحمن هذه عبارة تقتضي الأمر بالإعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة الله والدعاء إليه.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦


الصفحة التالية
Icon