يقول الفقير فإن قلت كيف أضاف الملك إلى ما هو متناه وكمال ملكه تعالى غير متناه قلت إن للسموات والأرض ظاهراً وهو ما كان حاضراً ومرئياً من عالم الملك وهو متناه لأنه ن قبيل الأجسام والصور وباطناً وهو ما كان غائباً غير محسوس من أسرارهما وحقائقهما وهو غير متناه لأنه من عالم الملكوت والمعاني فإضافة المك إلى الله تعالى إضافة مطلقة يندرج تحتها الملك والملكوت وهما غير متناهيين في الحقيقة ألا ترى أن القرآن لا تنقضي عجائبه فهو بحر لا ساحل له من حيث أسراره ومن حيث أن المتكلم به هو الذي لا نهاية له وإن كان أي القرآن متناهياً في الظاهر والحس فالمراد بالملك هو الملك الحقيقي لأن ملك البشر مجاز كما سيتضح بياناً في هذه السورة ﴿لَه مُلْكُ﴾ استئناف مبين لبعض أحكام الملك إي يحيي الموتى والنطف والبيض ويميت الإحياء ومعنى الإحياء والإماتة جعل الشيء حياً وجعله ميتاً وقد يستعاران للهداية والإضلال في نحو قوله أو من كان ميتاً فأحييناه وهو يحيي القلوب يتجلى اسم المحيي ويميت النفوس بتجلي اسم المميت أو يحيي النفوس بموت القلوب ويميت القلوب بحياة النفوس على طريق المغالبة وقال ابن عطاء رحمه الله : هو مالك الكل وله الملك أجمع يميت من يشاء بالاشتغال بالملك ويحيي من يشاء بالإقبال على الملك ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ من الأشياء التي من جملتها ما ذكر من الإحياء والإماتة على مقتضى الحكمة والإرادة ﴿قَدِيرٌ﴾ تام القدرة فإن الصيغة للمبالغة ﴿هُوَ الاوَّلُ﴾ السابق على سائر الموجودات بالذات والصفات لما أنه مبدئها ومبدعها فالمراد بالسبق والأولية هو الذاتي لا الزماني فإن الزمان من جملة الحوادث أيضاً ﴿وَالاخِرُ﴾ الباقي بعد فنائها حقيقة أو نظراً إلى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فإن جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النظر عن علتها فهي فانية :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
أول ما أول بي ابتداء
آخر أو آخر بي انتها
بود ونبود اين ه بلندست وست
باشد واين نيز نباشد كه هست
﴿وَالظَّـاهِرُ﴾ وجود الكثرة دلائله الواضحة ﴿وَالْبَاطِنُ﴾ حقيقة فلا يحوم العقل حو إدراك كنهه وليس يعرف الله إلا الله وتلك الباطنة سواء في الدنيا والآخرة فاضمحل ما في الكشاف من أن فيه حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة وذلك فإن كونه باطناً بكنه حقيقته لا ينافي كونه مرئياً في الآخرة من حيث صفاته ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ لا يعزب عن علمه شيء من الظاهر والخفي فإن عليم صيغة مبالغة تدل على أنه تعالى تام العلم بكل شيء جليه وخفيه وفي هذا المقام معان أخر هو الأول الذي تبتدأ منه الأسباب والآخر الذي تنتهي إليه المسببات أي إذا نظرت إلى سلسلة الموجودات المتكونة بعضها من بعض وجدت الله مبدأ تلك السلسلة ومنتهاها تبتدىء منه سلسلة الأسباب وتنتهي
٣٤٦
إليه سلسلة المسببات ولذا قالوا : لا تعتمد على الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا شرك في توحيد الأفعال وجهل بحقائق الأمور ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه علم أن الريح لا يتحرك بنفسه بل له محرك إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو في نفسه أيضاً بل هو منزه عن ذلك وعمل يضاهيه والظاهر أي الغالب على كل شيء والباطن أي العالم بباطن كل شيء على أن يكون الظاهر من ظهر عليه إذا علاه وغلب والباطن من بطنه إذا علم باطنه ولم يرتضه الزمخشري لفوات المطابقة بين الظاهر والباطن حينئذ.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤


الصفحة التالية
Icon