وقيل : المراد بالقرض الصدقة انتهى وههنا وجه آخر وهو أن القرض في الأصل القطع من قرض الثوب بالمقراض إذا قطعه به ثم سمى به ما يقطعه الرجل من أمواله فيعطيه عيناً بشرط رد بدله فعلى هذا يكون قرضاً حسناً مفعولاً به والمعنى من ذا الذي يقرض الله مالاً حسناً أي حلالاً طيباً فإنه تعالى لا يقبل إلا الحلال الطيب ﴿فَيُضَـاعِفَه لَهُ﴾ بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى كأنه قيل أيقرض الله أحد فيضاعفه له أي فيعطيه أجره أضعافاً من فضله وإنما قلنا باعتبار المعنى لأن الفاء إنما تنصب فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه كما قاله أبو علي الفارسي وههنا السؤال لم يقع عن القرض بل عن فاعله ﴿وَلَه أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم حسن مرضى في نفسه حقيق بأن بتنافس فيه المتنافسون وإن لم يضاعف فكيف وقد ضوعف أضعافاً كثيرة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
ـ وروي ـ أنه لما نزلت هذه الآية جعل أبو الدحداح يتصدق بنصف كل شيء يملكه في سبيل الله حتى أنه خلع إحدى نعليه ثم جاء إلى أم الدحداح فقال : إني بايعت ربي فقالت : ربح بيعك فقال النبي عليه السلام : كم من نخلة مدلاة عذوقها في الجنة لأبي الدحداح قال بعضهم : سأل الله منهم القرض ولو كانوا على نعت المروءة لخرجوا من وجودهم قبل سؤاله فضلاً عن المال فإن العبد وما يملكه لمولاه فإذا بذلوا الوجود المجازي وجدوا من الله بدله الوجود الحقيقي وله أجر كريم بحسب الاجتهاد في السير إلى الله والتوجه إلى عتبة بابه الكريم :
هركسى از همت والاي خويش
سود برد درخور كالاى خويش
وفي الآية إشارة إلى القرض الشرعي لمن يستقرض كما دل عليه قوله تعالى : عبدي استطعمتك فلم تطعمني فإعطاء القرض للعبد إعطاء الله تعالى والقرض أفضل من الصدقة لأنه ربما سأل سائل وعنده ما يكفيه وأما المستقرض فلا يستقرض إلا من حاجة وقال بعضهم : هذا القرض هو أن يقول سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر وهو أفضل الأذكار وعن الحسن هو التطوعات وفي المرفوع النافلة هدية المؤمن إلى ربه فليحسن أحدكم هديته وليطيبها والحاصل أن الكريم يريد القرض بإحسن ما يكون من الرد ويحسن أيضاً في مقابلة الهدية ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ﴾ منصوب بإضمار اذكر تفخيماً لذلك اليوم أي اذكر وقت رؤيتهم يوم القيامة على الصراط ﴿يَسْعَى نُورُهُم﴾ حال من مفعول ترى أي نور إيمانهم وطاعتهم والسعي المشي السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً وأكثر ما يستعمل في الأفعال المحمودة ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـانِهِم﴾ جمع بيمين بمعنى الجارحة والمراد جهة اليمين وبين ظرف للسعي قال أبو الليث : يكون النور بين أيديهم وبأيمانهم وعن شمائلهم إلا أن ذكر الشمال مضمر وقال في فتح الرحمن وخص بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور وخص ذكر جهة اليمين تشريفاً وناب ذلك مناب أن يقول وفي جميع جهاتهم وفي كشف الأسرار لأن طريق الجنة يمنة وتجاههم وطريق أهل النار يسرة ذات شمال وفي الحديث :"بينا أنا على حوضي أنادي هلم إذا أناس أخذتهم ذات الشمال فاختلجوا
٣٥٩
دوني فأنادي إلا هلم فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً".
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤


الصفحة التالية
Icon