وروي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال : بينا العباد يوم القيامة عند الصراط إذ غشيهم ظلمة يقسم الله النور بين عباده فيعطي الله المؤمن نوراً ويبقى المنافق والكافر لا يعطيان نوراً فكمالا يستضيء الأعمى بنور البصير لا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن فيقولون انظرونا نقتبس من نوركم فيقولون لهم : ارجعوا حيث قسم النور فيرجعون فلا يجدون شيئاً فيرجعون وقد ضرب بينهم بسور أو ارجعوا خائبين خاسئين وتنحوا عنا فالتمسوا نوراً آخر وقد علموا أن لا نور وراءهم وإنما قالوه تخييباً لهم أو أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكماً بهم وقال بعض أهل الإشارة كأن استعداداتهم الفطرية الفائتة عنهم تقول بلسان الحال : ارجعوا إلى استعداداتكم الفطرية التي أفسدتم بحب الدنيا ولذاتها وشهواتها واقتبسوا منها نوراً إذا ما تصلون إلى مطلوباتكم إلا بحسب استعداداتكم وهي فائتة عنكم باشتغالكم بالأمور الدنيوية وإعراضكم عن الأحكام الأخروية والتوجهات المعنوية ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم﴾ أي بين الفريقين وهم المؤمنون والمنافقون يعني ملائكة بحكم الهي بزنند.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
ولما كان البناء مما يحتاج إلى ضرب باليد ونحوها من الآلات عبر عنه بالضرب ومثله ضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة ﴿بِسُورٍ﴾ أي حائط بين شق الجنة وشق النار فإن سور المدينة حائطها المشتمل عليها والباء زائدة وبالفارسية ديوارى نزديك ون باره شهرى.
قال بعضهم : هو سور بين أهل الجنة والنار يقف عليه أصحاب الأعراف يشرفون على أهل الجنة وأهل النار وهو السور الذي يذبح عليه الموت يراه الفريقان معاً ﴿لَّهُ﴾ أي لذلك السور ﴿بَابُ﴾ يدخل فيه المؤمنون فيكون السور بينهم باعتبار ثاني الحال أعني بعد الدخول لا حين الضرب ﴿بَاطِنُهُ﴾ أي باطن السور أو الباب ﴿فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ لأنه يلي الجنة ﴿وَظَـاهِرُه مِن قِبَلِهِ﴾ أي من جهته وعنده ﴿الْعَذَابُ﴾ لأنه يلي النار وقال بعضهم : هو سور بيت القدس الشرقي باطنه فيه
٣٦١
المسجد الأقصى وظاهره من قبله العذاب وهو واد يقال له وادي جهنم وكان كعب يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس أنه الباب الذي قال الله فضرب بينهم بسور له باب الآية يعني إن هذا الموضع المعروف بوادي جهنم موضع السور قال ابن عطية وهذا القول في السور بعيد يعني بل المراد بالسور الأعراف.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
يقول الفقير لا بعد فيه بالنسبة إلى من يعرف الإشارة وقد روي أن عبادة قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقال بعضهم : ما يبكيك يا أبا الوليد فقال : ههنا أخبرنا رسول الله عليه السلام أنه رأى جهنم وفي الحديث :"بيت المقدس أرض المحشر والمنشر" فيجوز أن يكون الموضع المعروف بوادي جهنم موضع السور على أنه سور الأعراف بعينه لكن على كيفية لا يعرفها إلا الله لأنه تبدل الأرض غير الأرض يوم القيامة وقد صح أن مواضع العبادات تلتحق بأرض الجنة فلا بعد في أن يكون المسجد الأقصى من الجنة وخارجة من النار وبينهما السور ﴿يُنَادُونَهُمْ﴾ كأنه قيل : فماذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب فقيل : ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور.
وقال الكاشفي : منافقون ون باز س نكرند ونورى نه بينند باز متوجه مؤمنان شوند ديوارى بينند ميان حود واشان حاجز شده اذان خود واشان حاجز شده اذان در بنكرند مؤمنا نرا مشاهده نمايندكه خرامان متوجه رياض شدند بخوانند ايشانرا بزارى كويند اى مؤمنان ﴿أَلَمْ نَكُن﴾ في الدنيا ﴿مَعَكُمْ﴾ يريدون به موافقتهم لهم في الأمور الظاهرة كالصلاة والصوم أو المناكحة والموارثة ونحوها ﴿قَالُوا بَلَى﴾ كنتم معنا بحسب الظاهر ﴿وَلَـاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ محتموها بالنفاق وأهلكتموها إضافة الفتنة إلى النفس إضافة الميل والشهوة وإلى الشيطان في قوله لا يفتننكم الشيطان إضافة الوسوسة وإلى الله تعالى في قوله قال : فإنا قد فتنا قومك إضافة الخلق لأنه خلق الضلال فيه في ليفتنن ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بالمؤمنين الدوائر والتربص الانتظار وقال مقاتل وتربصتم بمحمد عليه السلام الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه وهو وصف قبيح لأن انتظار موت وسائل الخير ووسائط الحق من عظيم الجرم والقباحة إذ شأنهم أن يرجى طول حياتهم ليستفاد منهم ويغتنم بمجالستهم ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ وشككتم في أمر الذين أو في النبوة أو في هذا اليوم ﴿وَغرَّتْكُمُ الامَانِىُّ﴾ الفارغة التي من جملتها الطمع في انتكاس أمر الإسلام جمع أمنية كأضحية بالفارسية آرزو.
وفي عين المعاني وغرتكم خدع الشيطان وقال أبو الليث أباطيل الدنيا ﴿حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤