﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ مبتدأ وخبر والجملة خبر ثان للموصول والضمير الأول على الوجه الأول للموصول والأخيران للصديقين والشهداء ولا بأس بالفك عند الأمن أي لهم مثل أجرهم ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال وقد حذف أداة التشبيه تنبيهاً على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد كما فعل ذلك حيث قيل هم الصديقون والشهداء وليست المماثلة بين ما للفريق الأول من الأجر والنور وبين تمام ما للأخيرين من الأصل بدون الأضعاف ليحصل التفاوت وأما على الوجه الثاني فمرجع الكل واحد والمعنى لهم الأجر والنور الموعود أن لهم قال بعض الكبار : لا يكون الأجر إلا مكتسباً فإن أعطاك الحق تعالى ما هو خارج عن الكسب فهو نور وهبات ولا يقال له أجر ولهذا قال تعالى : لهم أجرهم ونورهم فإن أجرهم ما اكتسبوه ونورهم ما وهبه الحق لهم من ذلك حتى لا ينفرد الأجر من غير أن يختلط به الوهب لأن الأجر فيه شائبة الاستحقاق إذ هو معاوضة عن عمل متقدم يضاف إلى العبد فما تم أجر إلا ويخالطه نور وذلك لتكون المنة الإلهية مصاحبة للعبد حيث كان فإن تسمية العبد أجيراً مشعر بأن له نسبة في الطاعات والأعمال الصادرة عنه فتكون الإجارة من تلك النسبة ولذلك طلب العبد العون على خدمة سيده فإن قلت من أي جهة قبل العبد الأجرة والبعد واجب عليه الخدمة لسيده من غير أن يأخذ أجرة وإن جعلناه أجنبياً فمن أي جهة تعين الفرض عليه ابتداء قبل الأجرة والأجير لا يفترض عليه إلا حين يؤجر نفسه قلت : الإنسان مع الحق تعالى على حالتين حالة عبودية وحالة إجارة فمن كونه عبداً فهو مكلف بالفرض كالصلاة والزكاة وجميع الفرائض ولا أجر له على ذلك جملة واحدة ومن كونه أجيراً له الأجرة بحكم الوعد الإلهي ولكن ذلك مخصوص بالأعمال المندوبة لا المفرضة فعلى تلك الأعمال التي ندب الحق إليها فرضت الأجور فإن تقرب العبد بها إلى سيده أعطاه إجارته وإن لم يتقرب لم يطلب بها ولا عوتب عليها ومن هنا كان العبد حكمه حكم الأجنبي في الإجارة للفرض الذي يقابله الجزاء إذ هو العهد الذي بين الله وبين عباده وأما النوافل فلها الأجور المتجة للمحبة الإلهية كما قال لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه والحكمة في ذلك أن المتنفل عبد اختياري كالأجير فإذا اختار الإنسان أن يكون عبد الله لا عبد هواه فقد آثر الله على هواه وهو في الفرائض عبد اضطرار لا عبد اختيار وبين عبودية الاضطرار وعبودية الاختيار ما بين الأجير والعبد المملوك إذ العبد الأصلي ماله على سيده استحقاقاً إلا ما لا بد منه من مأكل وملبس ثم يقوم بواجبات مقام سيده ولا يزال في دار سيده لا يبرح ليلاً ولا نهاراً إلا إذا وجهه في شغل آخر فهو في الدنيا مع الله وفي القيامة مع الله وفي الجنة مع الله لأنها جميعاً ملك لسيده فيتصرف فيها
٣٦٨
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
تصرف الملاك والأجير ماله سوء ما عين له من الأجرة منها نفقته وكسوته وماله دخول على حرم سيده وموجره ولا له اطلاع على أسراره ولا تصريف في ملكه إلا بقدر ما استؤجر عليه فإذا انقضت مدة إجارته وأخذ أجرته فارق مؤجره واشتغل بأهله وليس له من هذا الوجه حقية ولا نسبة تطلب ممن استأجره إلا أن يمن عليه رب المال بأن يبعث خلفه ويجالسه ويخلع عليه فذلك من باب المنة وقد ارتفعت عنه في الآخرة عبودية الاختيار فإن تفطنت لهذا نبهك على مقام جليل تعرف منه من أي مقام قالت الأنبياء عليهم السلام مع كونهم عبيداً خلصاً لم يملكهم هوى نفوسهم ولا أحد من خلق الله ومع هذا قالوا : إن أجري إلا على الله وذلك لأن قولهم هذا راجع إلى تحققهم بدخولهم تحت حكم الأسماء الإلهية بخلاف غيرهم ومن هناك وقعت الإجارة فهم في حال الاضطرار والاختيار عبيد للذات وهم لها ملك فإن الأسماء الإلهية تطلبهم لنظهر آثارها فيهم وهم مخيرون في الدخول تحت أي اسم إلهي شاءوا وقد علمت الأسماء الإلهية ذلك فعينت لهم الأجور وكل اسم يناديهم ادخلوا تحت أمري وأنا أعطيكم كذا وكذا فلا يزال أحدهم في خدمة ذلك الاسم حتى يناديه السيد من حيث عبودية الذات فيترك كل اسم الهي ويقوم لدعوة سيده فإذا فعل ما أمر به حينئذ رجع إلى أي اسم شاء ولهذا يتنقل الإنسان ويتعبد بما شاء حتى يسمع إقامة الصلاة المفروضة فيؤمر بها ويترك النافلة فهو دائماً مع سيده بحكم عبودية الاضطرار كذا في كتاب الجواهر للإمام الشعراني قدس سره ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِه أُولَئكَ﴾ الموصوفون بالصفات القبيحة ﴿أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ﴾ بحيث لا يفارقونها أبداً وفيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث أن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفاً وأراد بالكفر الكفر بالله فهو في مقابلة الإيمان بالله وبتكذي الآيات تكذيب ما بأيدي الرسل من الآيات الإلهية وتكذيب
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤


الصفحة التالية
Icon