ها تكذيبهم فهو في مقابلة الإيمان والتصديق بالرسل وفيه وصف لهم بالوصفين القبيحين اللذين هما الكفر والتكذيب وفيه إشارة إلى أن الذين كفروا بذاتنا وكذبوا بصفاتنا الكبرى كفراً صريحاً بينا قلباً وسراً وروحاً أولئك أصحاب جحيم البعد والطرد واللعن المخصوص بالخلود وعبر عن الصفات بالآيات لأن الكتب الإلهية صفات الله تعالى وأيضاً الأنبياء عليهم السلام صفات الله من حيث أنهم مظاهر أسمائه الحسنى وصفاته العليا وقست عليهم سائر المجالي والمرائي لكنهم متفاوتون في الظهور بالكمال وإذا كان تكذيب الأنبياء وآياتهم مما يوجب الوعيد فكذا تكذيب الأولياء وآياتهم فإن العلماء العاملين ورثة الأنبياء والمرسلين والمراد بآيات الأولياء الكرامات العلمية والكونية فالذين من معاصريهم وغير معاصريهم صدقوهم أولئك أصحاب النعيم والذين كذبوهم أولئك أصحاب الجحيم وهذه الآيات وأصحابها لا تنقطع إلى قيام الساعة فإن باب الولاية مفتوح نسأل الله سبحانه أن يتولانا بعميم أفضاله بحرمة النبي وآله ﴿اعْلَمُوا﴾ بدانيد أي طالبنان دنيا ﴿أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا﴾ لفظ الحياة زائد والمضاف مضمر أي أمور الدنيا ويجوز أن تجعل الحياة الدنيا مجازاً عن أمورها بعلاقة
٣٦٩
اللزوم وفي كشف الأسرار الحياة القربى في الدار الأولى وبالفارسية زندكانىء اين سراى.
وما صلة فإن المقصود الحياة في هذه الدار فكل ما قبل الموت دنيا وكل ما تأخر عنه أخرى ﴿لَعِبٌ﴾ أي عمل باطل تتعبون فيه أنفسكم أتعاب اللاعب بلا فائدة :
باز به ايست طفل فريب اين متاع دهر
بى عقل مرد مانكه بد ومبتلا شوند
﴿وَلَهْوٌ﴾ تلهون به أنفسكم وتشغلونها عما يهمكم من أعمال الآخرة ﴿وَزِينَةٌ﴾ من الملابس والمراكب والمنازل الحسنة تزينون بها ﴿وَتَفَاخُرُا بَيْنَكُمْ﴾ بالأنساب والاحساب تتفاخرون بها والفخر المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ويعبر عن كل نفيس بالفاخر كما في المفردات ﴿وَتَكَاثُرٌ فِى الامْوَالِ وَالاوْلْـادِ﴾ بالعدد والعدد يعني ومباهاتست بكثرت أموال وأولاد لا سيما التطاول بها على أولياء الله.
وبدانيد كه در اندك زمانى آن بازى برطرف شود ولهو وفرح بغم وترح مبدل كردد وريشها از همه فرو ريزد وتفاخر وتكاثر ون شراره آتش نابود شود.
وقيل لعب كلعب الصبيان وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الأقران وتكاثر كتكاثر الدهقان قال علي لعمار رضي الله عنهما : لا تحزن على الدنيا فإن الدنيا ستة أشياء : مطعوم ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح فأكبر طعامها العسل وهو ريقة ذبابة وأكبر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان وأكبر الملبوس الديباج وهو نسج دودة وأكبر المشموم المسك وهو دم ظبية وأكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال وأكبر المنكوح النساء وهو مبال في مبال وفي الحديث :"مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قام في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها" :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
جهان اى سر ملك جاويد نيست
زدنيا وفادار اميد نيست
﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾ محل الكاف النصب على الحالية من الضمير في لعب لأن فيه معنى الوصف أي تثبت لها هذه الأوصاف مشبهة غيثاً أو خبر مبتدأ محذوف أي هي كمثل أو خبر بعد خبر للحياة الدنيا والغيث مطر محتاج إليه بغيث الناس من الجدب عند قلة المياه فهو مخصوص بالمطر النافع بخلاف المطر فإنه عام ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ أي الحراث قال الأزهري : العرب تقول للزراع كافر لأنه يكفر أي يستر بذرع بتراب الأرض والكفر في اللغة التغطية ولهذا يسمى الكافر كافراً لأنه يغطي الحق بالباطل والكفر القبر لسرتها الناس وفي الحديث "أهل الكفور أهل القبور" والليل كافر لستره الأشخاص ﴿نَبَاتُهُ﴾ أي النبات الحاصل منه والمراد الكافرون بالله لأنهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا ولا المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدره صانعه فأعجب بها والكافر لا يتخطى فكره عما أحسن به فيستغرق فيه إعجاباً وقد منع في بعض المواضع عن إظهار الزينة صوناً لقلوب الضعفاء كما في الأعراس ونحوها ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ أي يجف بعد خضرته ونضارته بآفة سماوية أو أرضية يقال : هاج النبت يهيج هيجاً وهيجاناً وهياجاً بالكسار يبس والهائجة أرض يبس بقلها أو اصفر وأهاجه أيبسه وأهيجها وجدها هائجة للنبات ﴿فَتَرَاـاهُ مُصْفَرًّا﴾ بعدما رأيته ناضراً مونقاً وإنما لم يقل فيصفر
٣٧٠


الصفحة التالية
Icon