إيذاناً بأن اصفراره مقارن لجفافه وإنما المرتب عليه رؤيته كذلك ﴿ثُمَّ يَكُونُ﴾ س كردد بعد از زردى ﴿حُطَـامًا﴾ درهم شكسته وكوفته وريزه ريزه شده.
قال في القاموس : الحطم الكسر أو خاص باليابس فالآية تحقير لأمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل ومنه المثل وببيان أنها أمور خيالية أي باطلة لا حقيقة لها وعن علي رضي الله عنه : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا قليلة النفع سريعة الزوال لا يركن إليها العقلاء فضلاً عن الاطمئنان بها وتمثيل لحالها في سرعة تقضيها وقلة نفعها بحال النبات المذكور زينة الحياة الدنيا هي زينة الله إلا أنها تختلف بالقصد وهي محبوبة بالطبع فإذا تحرك العبد إليها بطبعه كانت زينة الحياة الدنيا فذم بذلك وإن كانت غير محرمة شرعاً وإذا تحرك إليها بأمر من ربه كانت زينة الله وحمد بها وذلك لأن أمر الله وكل ما يرجع إليه جد كله والحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وفخر الإنسان على مثله إنما هو من جهله بحقيقته فهذا سبب الذم قال بعض الكبار : الشهوات سبع وهي ما ذكر في قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وقد أنزلها الله إلى خمس في هذه الآية وهي اعلموا إنما الحياة الدنيا الخ ثم أنزل هذه الخمس إلى أمرين في آية أخرى كما قال في سورة محمد إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ثم جعل هذين الأمرين أمراً واحداً في قوله تعالى فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فالهوى جامع لأنواع الشهوات فمن تخلص من الهوى من كل قيد وبرزخ بلغ مسالك الوصول إلى المطلب الأعلى والمقصد الأقصى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
﴿وَفِى الاخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة وقدم ذكر العذاب لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ كثير لا يقادر قدره لمن أعرض عنها وقصد بها الآخرة بل الله تعالى فإن الدنيا والآخرة حرامان على أهل الله :
أي طالب دنيا توبسى مغرورى
وى مائل عقبى تويكى مزدورى
وى آنكه زميل هردو عالم دورى
تو طالب نور بلكه عين نورى
وفيه إشارة إلى فضل النية الحسنة وأنها تحيل المباح ونحوه طاعة قال بعض الكبار : من استقامت سريرته وصلحت نيته أدرك جميع ما تمناه من الأعمال الصالحة وفي الخبر من نام على طهارة وفي عزمه أنه يقوم من الليل فأخذ الله بنفسه إلى الصباح كتب الله له قيام ليله وورد مثل ذلك فيمن خرج لجهاد أو حج وتأمل الطباخ والخباز يقوم من الليل يهيىء الطعام والخبز للآكلين وهم نائمون وهو طالب للربح ناسياً حاجة الناس ولو كان ذا بصيرة لفعل ذلك بقصد مصالح العباد وجعل ربحه ونفعه بحكم البيع والحاصل أن أهل الكسب سواء كانوا من أهل السوق أو من غيرهم ينبغي أن تكون نيتهم السعي في مصالح العباد والتقوى بكسبهم على طاعة الله حتى يكونوا مأجورين في ذلك ومن استرقه الكون بحكم مشروع كالسعي في مصالح العباد والشكر لأحد من المخلوقين من جهة نعمة أسداها إليه فهو لم يبرح عن عبوديته تعالى لأنه في أداء واجب أوجبه الحق عليه وتعبد العبد لمخلوق عن أمر الله لا يقدح في العبودية بخلاف
٣٧١